في حالة غير مسبوقة في تاريخ البشرية وبسبب فيروس « كورونا » الذي أجتاح العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ تفاعل العالم وعلى نحو إستثنائي لمواجهة هذا الخطر الداهم العابر للحدود والقارات والأعراق والأجناس والديانات والمعتقدات؛ ولم يميز بين الأغنياء والفقراء؛ ولا بين الأقوياء والضعفاء؛ ولا بين أصحاب السلطة والجاه والثروات وبين غيرهم من البشر؛ وكأنه بذلك يقوم بعملية توحيد كونية لهم بصفتهم بشرا متساوين ولا فرق عنده أبدا في ذلك وكما خلقهم الله بصفتهم جميعا ( إنسان ) !!
ويبدو بأن البشرية اليوم أمام إمتحان تاريخي كبير وبكل المقاييس والوقائع والمؤشرات ؛ويصعب تجاوزها بنجاح دون وحدة وتضامن كل الشعوب والدول والمنظمات الدولية وفعاليات المجتمع المدني؛ من خلال وحدة فعلها وتعاونها وعبر سلسلة معقدة ومتعددة الأدوات والوسائل؛ وتجاوز تعقيدات وموانع السياسة وحواجز الأيديولوجيا وأسوار وحسابات المصالح الإقتصادية والتجارية ولو مؤقتاً؛ حتى تعبر البشرية وبأقل تكلفة ممكنة وبأقصر وقت ممكن إلى شاطئ الآمان !
وبدون أدنى شك بأن تغييرات هائلة ستحصل وفي كل مناحي الحياة وعلى نحو عميق؛ فأزمة كورونا الصحية العالمية قد دشنت معها أزمات أكبر وأشمل وأخطر: سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وعلى صعيد منظومة القيم الحاكمة للعلاقات ببن الشعوب وصلات وتواصل الناس وضوابط حياتهم؛ وتفعيل مرجعيات أخلاقهم وتفاعلاتهم القائمة على العدل والمساواة والتضامن والتراحم والتعاون الممتد والضامن لمصالح الجميع؛ والملبي لقواعد الدفاع المشترك في مواجهة الأخطار؛وتنمية حياتهم وإزدهارها ودون ظلم أو تعسف لحقوق الأخرين أينما كانوا في عالم اليوم والذي يجسده النظام الرأسمالي العالمي المتوحش؛ وهو من سيكون له النصيب الأكبر وبكل تأكيد من تداعيات كل ذلك وتصبح صلاحيته أمام مراجعة حقيقية لدى الشعوب ومفكريها وفلاسفتها وقادتها السياسيين؛ بعد أن فشل النظام الصحي وآليات الدولة المختلفة من إحتواء الفيروس وتداعياته منذ أيامه الأولى؛ وهو مثال ومؤشر فقط يعكس وبجلاء خطورة السيطرة على المال والثروة من قبل قلة قليلة من الشعب تتحكم بكل شيء بما في ذلك مصائر الناس؛ على عكس ما حصل في الصين وكيف كانت الدولة حاضرة وبقوة وجعلت من إنقاذ حياة شعبها أولوية مطلقة على ما عداها؛ بل وأصبحت تقدم العون الكبير لعدد من الدول الرأسمالية ذاتها !.
ولعل ما يحز في النفس ويبعث على الحزن والألم والإحباط كذلك؛ أن تنهض البشرية بدولها وشعوبها ومنظماتها قاطبة لمواجهة هذا الموت الذي يجتاح العالم بصمت مخيف وتحشد قدراتها وإمكانياتها لمواجهته والتغلب عليه؛ وتضع بنفس الوقت في ذهنها وخططها المستقبلية كيف يمكن لها أن تتجاوز تداعياته وآثاره الكارثية؛ بينما نحن نعيش في حالة حرب مدمرة أفقدت الناس الشعور بالخطر الداهم عليهم؛ وأنست مصالح القيادات المترتبة عن الحرب مسؤولياتها في إنقاذ الشعب من هذا الخطر؛ بل ويصر البعض على مواصلة القتال في هذه الظروف وعلى كل الجبهات التي ينبغي أن تتوقف فيها الحرب فورا والتفرغ لمواجهة هذه الكارثة؛ بل أنهم يستنفرون ويحشدون قواهم لخوض معارك جديده ضد الجنوب بهدف إخضاعه مجددا والسيطرة على مقدراته وثرواته والتحكم بقرارة وتنفيذ مخططاتهم ومشاريعهم السياسية الخاسرة بكل تاكيد !
فلهؤلاء جميعا نقول: توقفوا عن العبث بحياة الناس ومستقبلهم وعودوا إلى رشدكم وقبل فوات الآوان وتندمون على إرتكاب المزيد من الحماقات والجرائم بحق شعبنا ووطنا !!.