صالح والإعلام السعودي والجنوب
احمد عبد اللاه
خلال ساعات فقط أصبح الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح بطلاً عروبياً لا مثيل له سوى الناصر صلاح الدين، بعد أن شرّحه الإعلام الداخلي والإقليمي منذ عام ٢٠١١م (خاصة بعد ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م) وصدّره للرأي العام بشكل موحش لا يقل عن شخصية دراكولا المتخيلة، يضاف إلى ذلك “رجمه” بمقذوفات نارية مثل “خيانة العروبة ، الطعن في الظهر، نكران المعروف”… الخ من مفردات الهجاء العربي التي سالت على الشاشات وفوق الأوراق، ومسحت بالرجل الأرض حتى صار رمادا.
لكن صالح، في نظرهم، يعود فجأة على حصان أبيض منقذاً لليمن و”بالذات” منقذاً للتحالف الذي مكث ثلاث سنوات في نهم وغرق في حيرة، أمام التباب الصهباوات، وفي سماء صنعاء التي أصبحت كأنها هي من تحاصر صقور الجو كلما قصفوا “ومهما قصفوا” لم يتغير شيء في المعادلة، حتى كادوا أن يهجو السماوات الفقيرة التي تتصفحها تلك الطائرات ليل نهار.
صالح ربما يستطيع أو لا يستطيع هزيمة الحوثيين، لكنه إن استطاع (؟) لن يفعل ذلك بشكل كامل، بل “سيبقي” عليهم في مناطق حساسة كفزاعة أمام المملكة بالذات، إذ أنه ليس من النوع الذي يغلق الأبواب كاملة مهما كانت مؤذية.
نختلف معه أو لا نختلف فهو يفهم ماذا يريد، ويعرف كيف يعامل الجيران في المملكة والخليج وله خبرة تاريخية أكثر من غيره العرب في تقنيات شد الحبل وفنون البقاء.
صالح رجل سياسة ورجل حرب ستُظهر الايام القادمة ان كان هو الرجل الأقوى في مسرح العمليات الحربية والسياسية أم أنه سيذهب في تفاصيل المواجهات الداخلية دون أفق واضح. لننتظر!!!
الأدهى والأمر أن يطل عليك “محلل” سعودي ليتّهم الجنوبيين، بعد كل الدماء والدمار، أنهم يعملون لصالح إيران، يقولها بكل عبط الدنيا دون أن يهتز له وتر من ضمير، ولا “نتفة” من “كرشة التويتي”، ناسياً أن الجنوبيين إِنْ هم بالفعل وقفوا مع المشروع الإيراني منذ أول يوم، كان التحالف أكل التبن والشعير معاً، وانتهى أمر اليمن إلى يد كسرى الساساني بطلّته الخامينيئية الحديثة.
والأغرب من ذلك أن الشاشات السعودية بل وصفحات الإعلام السعودي مفتوحة أمام هذا الغباء المُنكر في كل مرة وبنفس الوتيرة، مع أن العالم يفهم أن السعودية لم تكن تصدر غير علماء الدين “الصحويين”، واستعارت منذ زمن وماتزال وكلاء إعلاميين ومحللين عرب، وربما هي المرة الأولى في هذه الحرب يتم إنتاج شريحة من المحللين يتدربون على الحالة اليمنية.. مع أن البعض لم يكن يفقه شيء عن تاريخ أو تفاصيل جغرافيا اليمن، لأنه لا توجد فيها من أسماء المدن الحسنى الصالحة لسياحتهم.
تلك هي عينة عشوائية لمزاج المثقف الخليجي، مع الاحترام للبعض الآخر الذي يتحلى بمسئولية الكلمة والرأي ويحترم عقول السامعين المشاهدين.
المسألة يجب أن لا تتوقف هنا، لأن على الجنوبيين أن يأخذوا العبرة من أفواه المحللين الذين يرمون “الكلام” دون ميزان، وتُفتح لهم الفضائيات الكبرى التي يفترض أن تفهم، بعد ثلاث سنوات حرب، تفاصيل الواقع وتفرق بين الناطق والناعق. فربما وسوس الساسة العظام في السعودية بعد حين بأن الجنوب لا يصلح إلا أن يكون ورقة على طاولة المساومات… لأن تلك الريحة النتنة التي تخرج من أفواه بعض الإعلاميين السعوديين، المسكوت عنهم رسمياً، تثير الشجن الكبير، فلماذا لا يكون بعض ساستهم الكبار يحملون نفس السطحية والغرور؟؟؟ خاصة وقد تحول صالح في نظرهم إلى محرر العاصمة العربية الرابعة من يد”الفرس” بل ومنقذ الأمة، فتُنسى كل أفعاله ومواقفه وتُسلَّم له مفاتيح الأبواب المغلقة!! أليس هو من اخترع اللغز وهو من قدم الحل الذي عجز الآخرون عن الإتيان به؟؟
صالح لو انتصر سيصبح هو القوة الرئيسة وسيد المشهد، حتى وان كانت المملكة السعودية لا تثق بالرجل، كما يجب، بعد دروس كثيرة، لكنها مضطرة بل ومجبورة على أن تساومه للخروج من ورطة اليمن فليس لديها حلفاء أقوياء بعد تجربتها المرة مع الشرعية اليمنية.
ولكي لا يصبح الجنوب كبش كامل الدسم من كباش الفداء عليه أن يفهم بأن العالم لا يحترمه إلا بما تُقدم يداه. فالجنوب الغارق في الرومانسيات والمهرجانات لا يجب أن يكون العروس التي تُرمى في النيل لكي يستمر جريانه، ولا ينبغي حتى أن يكون جميلاً رخواً، أو تابعاً مؤصَد العقل أعمى الفؤاد! فإن لم تكن لدماء الجنوبيين أهداف كبرى حقيقية، فإنهم يستحقون أن يُباعوا وأن يُشترَوا.