استقرت الخلافات -إذاً- ومظاهر الفشل، عوضاً عن الاستقرار الأمني والسياسي، الذي قيل إن “فرض” الالتزام باتفاق استوكهولم/ السويد كفيل بالوصول إليه، ولو نسبياً، كخطوة أولى؛ أريد من ورائها الوصول إلى الأهم والأخطر في أجندة غريفيث/ بريطانيا، وهي ما يسميها مارتن غريفيث “اتفاقية الإطار”، وليست سوى مسودة خطة اتفاق نهائي وشامل (..) للحرب والأزمة في اليمن.
ستة أشهر أكدت أن مخرجات مشاورات (مرتجلة، تحرت الصخب أكثر من الإنجاز) استضافتها السويد، نجحت فقط في تأكيد قيمة إنقاذ الحوثيين في الحديدة، تبعاً لأهداف التحركات والمساعي البريطانية التي أفلحت لدى السلطات الشرعية في إيقاف استكمال المعركة شبه الناجزة وكانت قاب قوسين من الإمساك بالميناء الرئيس وطرد المتمردين ومليشيا الذراع الإيرانية من أهم ميناء استراتيجي على البحر الأحمر.
كانت حركة تغيير باتريك كاميرت وإنفاذ رغبات وتعنت الحوثيين بمثابة (الانقلاب المتوافق حوله) على الصيغة الشكلية المتوافرة من اتفاق السويد في أبسط صورها. وهناك كان يجب إعلان وفاة السويد اليمنية.
تواطأت أطراف كثيرة (من بينها الشرعية والتحالف) مع الضغوط البريطانية المستنفرة لتمرير خيارات ورؤى مارتن غريفيث، الذي دخل في علاقة -مفتوحة ومغلقة على الرأي العام والإعلام- مع الانقلابيين ووكلاء إيران في اليمن، وانتقل الحديث إلى مفاوضات الحل النهائي (..) عوضاً عن تنفيذ الاتفاق قيد الامتحان العملي.
و هكذا راج مصطلح “اتفاق الإطار”، ليأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامات وجهود المبعوث الأممي الذي تعثر تماماً في تنفيذ الخطوات الأولى من ضمانات ومصفوفة إجراءات بناء الثقة لتنفيذ اتفاق الحديدة/ السويد مع انقضاء الأطر الزمنية خلال الشهرين التاليين، لينتزع تمديداً من الرئاسة اليمنية بسقف زمني مفتوح وبلا أفق أو ضمانات من أي نوع.
في هذه الأجواء الملبدة بالفشل والتعثر، وبينما التصعيد العسكري والاستحداثات الحوثية في الحديدة آخذة في التمدد طولاً وعرضاً أمام مراقبي الهدنة المكذوبة في الحديدة، وعلى خط واحد من الضغوطات الأممية والبريطانية على السلطات الشرعية التي تصرفت كما لو أنها لا تملك خيارات أو حيلة من أي نوع، جاءت تصريحات السفير السعودي المثيرة للدهشة وللاستياء معاً لدى كثيرين في الأوساط اليمنية، ولتضاعف من ورطة التوهان في مؤسسات صناعة السياسة والقرار لدى الشرعية اليمنية.
قال معالي السفير محمد آل جابر يومها، في مطلع يناير والعام الجديد: “سأضغط على هادي لقبول إطار الحل السياسي الشامل”، قبل أن يتبعها بالاستئناف “إذا” نفذ اتفاق السويد.
وراح يتحدث عن عملية تجري لبناء العلاقة بين الطرفين (..) يعني الشرعية والمليشيات وقد تساوتا كطرفين متكافئين وتلخصت القصة فقط في سيرورة عملية بناء العلاقات والتقريب بين الطرفين اليمنيين بصدد اتفاقية إطار سياسي وحل نهائي شامل.
مورست الضغوط على هادي وحكومته من كل نوع ومن كل طرف. فهل نفذت اتفاقية السويد؟
حسناً، يقول غريفيث ويقول البريطانيون الآن إن الحوثيين نفذوا جانبهم من اتفاقية السويد والمرحلة الأولى من الانسحاب (مسرحية تغيير الأزياء نفسها التي كان تصدى لها وفضحها باتريك كاميرت). وتقول الشرعية إنها مسرحية واحتجت لدى الأمين العام الذي أبدى ثقته بغريفيث وتقدمت بريطانيا مؤخراً بمسودة بيان لمجلس الأمن تجدد الثقة بغريفيث وتتبنى الترحيب بالرواية الحوثية باعتبار المسرحية تمثل تقدماً في تنفيذ الاتفاق.
ثم تسربت أنباء استقالة وزير الخارجية خالد اليماني، الذي كان الأكثر عناداً وتفاؤلاً واستبعاداً لخيار الفشل، ولكنه فشل كما فشل الاتفاق والتنفيذ، وبالتالي وجب التساؤل حول مآلات ضغوط السفير الجابر على هادي وطاقمه؟ وهل سيستمر في الضغط بنفس الاتجاه حتى بعد كل هذا الفشل وهذه الفوضى التي تكرست بفضل الضغوطات والضاغطين من هنا وهناك؟
تبنى السفير الجابر خطاباً منفتحاً جداً يومها على الحوثيين “سيكونون جزءاً من أي عملية سياسية قادمة إذا انتهجوا مسار الحل السياسي وقبلوا بالتفاوض مع الحكومة اليمنية وباقي المكونات السياسية”، “الاستمرار في دعم الحكومة اليمنية حتى وإن كانت جماعة الحوثي جزءاً منها”.
معتبراً تحقيق ذلك سيؤدي إلى فتح باب كبير لحل سياسي شامل، و”محادثات الأمم المتحدة فتحت الباب لخريطة طريق لحل جميع المشاكل اليمنية، وسوف تحل تلك المشاكل عبر المحادثات، من خلال مناقشة القضايا على الطاولة سواءً الوضع في الشمال أو الجنوب.”
يكاد يكون انتهى الجابر في جرة تصريحات واحدة من حل أزمات ومشاكل الحرب والانقلاب في اليمن، بطريقة فذة كما رأينا للتو. لكن كل هذا لا يساوي شيئاً أمام التصعيد الحوثي المفتوح في كل الاتجاهات، كواحدة من أبرز وأخطر نتائج التساهل والاستخفاف بالمشاكل والتحديات وبنوايا حلفاء وأدوات إيران الذين بقوا خارج أي ضغوط بعكس الشرعية التي وضعت نفسها محطاً لتلقي الضغوط ومجاراة الحوثيين في الوقت نفسه إلى ما أفضت الأشهر الستة من كوارث وفشل راكمت خلالها المليشيات المنافع والمكاسب.
استقالة اليماني لا تعني شيئاً (الآن)، ما لم تكن خطوة ضمن برنامج واسع لتغيير السياسة والإدارة وطريقة التعامل مع الملفات، فإنها مجرد هروب من تحمل مسئولية الفشل، كواحد من اللاعبين الرئيسيين في إدارة ملف المرحلة الغارقة في الأخطاء، وقد تكون جزءاً من توجه للإتيان بوجه جديد لوزارة الخارجية ولمرحلة جديدة من الفشل بألوان متجددة، لاستنزاف الوقت تحت طائلة ضغوط خارج منطق السياسة والاستراتيجيا.
والسؤال: إذا فشلت المرحلة ومهزلة السويد وضغوط تمرير الرغبات والشروط الحوثية والرغبات البريطانية، واستقال اليماني، فهل يستقيل الجابر؟ بما أنها مرحلة أعطيت له فيها مساحة وحرية وصلاحيات واسعة لإدارة الملف اليمني من الإغاثة إلى إعادة الإعمار وحتى تشكيل وهندسة التحالفات الحزبية والحكومية وصولاً إلى “سأضغط على هادي”؟!
يكمن جزء رئيس من الحل في مراجعة أخطاء الخفة السياسية والارتجالية في التعاطي مع الملفات كافة بتلقائية واستسهال شديدين وكارثيين أنتجا كل هذه الفوضى.