مع اقتراب موعد انعقاد مجلس الأمن الدولي حول أزمة اليمن الموافق غداً 15 مايو (أيار) 2019، فاجأ الانقلابيون من «أنصار الله» الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بمبادرتهم بالإعلان عن استعدادهم لإعادة الانتشار المبدئي أحادي الجانب من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، بدءاً من 11 مايو 2019، وتستكمل (اليوم) الموافق 14 مايو 2019.
كيف يمكن تفسير هذه الخطوة من جانب الحوثيين، وهم منذ اتفاق استوكهولم في السويد يماطلون في تنفيذ بنود الاتفاق، ليس فيما يتعلق بالحديدة فحسب؛ بل أيضاً ببقية بنود الاتفاق، فيما يتعلق بتبادل الأسرى وحل مشكلة تعز؟
هل روحانية ومكانة شهر رمضان الكريم جعلتهم ينحون نحو هذه النزعة السلمية في التعاطي مع الأزمة اليمنية، على أساس عقيدة الحوثيين ونظامهم، كحركة تستوحي جذورها من النظام الإمامي، أجداد عبد الملك الحوثي زعيم الحركة؟ وإن كان الأمر كذلك، فلماذا تزج الحركة بآلاف الأطفال والشباب اليمنيين في معارك خاسرة، في اتجاه الضالع ويافع ولحج والبيضاء، في محاولة للعودة إلى احتلال عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، التي طردت منها وهزمت فيها في مارس (آذار) 2015؟
لماذا أبدت الحركة الحوثية «مرونة» في مبادرة أحادية في الحديدة، وتقوم بتسخين الأوضاع في جنوب اليمن المطل على باب المندب، الذي هددت إيران الولايات المتحدة بتعطيل الملاحة الدولية فيه، وإغلاق مضيق هرمز على صادرات النفط، إذا جرى منع تصدير النفط الإيراني؟
من الصعب فصل المشهد اليمني عن المشهد الإقليمي والدولي، الذي تمر به منطقة الخليج والمنطقة العربية بصفة عامة، فطبول الحرب واحتمال اشتعالها في الخليج في إطار توتر العلاقات الأميركية الإيرانية ليست فرضية أكاديمية، وإنما وقائع يستدل بها من خلال عدد القطع البحرية العسكرية الأميركية التي تتوالى إلى مياه الخليج بشكل متسارع وغير مسبوق، لتعيد إلى الذاكرة ما حدث مع صدام حسين في حرب الخليج الثانية.
هل هي سياسة حوثية خبيثة من النمط الإيراني في تعامله مع الولايات المتحدة، من ناحية عدم التصعيد في المواجهة على جميع الجبهات، وإنما توتير الأمور في اتجاه جنوب اليمن للعودة إلى عدن وباب المندب، وتهدئة التوتر في منطقة الحديدة قبل انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي؟
المستغرب في ردود الفعل لمسؤولين بارزين من حكومة الشرعية إزاء المبادرة الأحادية للحوثيين، القبول بإعادة الانتشار في الحديدة، وكأنها كانت مفاجأة غير متوقعة. فقد اتهم مستشار رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق عبد الملك المخلافي، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، بالتواطؤ مع ميليشيات الحوثي، واعتبر وزير الإعلام اليمني ومحافظ الحديدة العملية برمتها «مسرحية هزلية»، و«مؤامرة بغطاء أممي». ومن جانبه اعتبر وزير الخارجية اليمني، خالد اليماني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا يوجد في اتفاق استوكهولم، ولا في فهم القانون الدولي، شيء اسمه انسحاب أحادي الجانب!».
وفي تغريدة لسفير بريطانيا لدى اليمن، السيد مايكل أرون، انتقد من أطلق عليهم «المتهكمين اليمنيين» الذين ينتقدون كل ما يفعله الطرف الآخر حتى لو كان إيجابياً، في إشارة منه إلى عرض ميليشيات الحوثي الانقلابية. وأضاف: «الذين يقولون إن الأمم المتحدة ساذجة، يقولون إن الحل الوحيد هو الحرب الدائمة في اليمن». وقد أثارت تلك التغريدة موجة انتقادات واسعة ضدها، والأغرب في الأمر أن النسخة الإنجليزية لتغريدة السفير مختلفة عن النسخة العربية، التي تبدو وكأنها كتبت لاحقاً كرد فعل على تصريحات وزراء الشرعية، الذين اعتبروا مبادرة الحوثيين مسرحية هزلية.
هل فعلاً كانت مفاجأة؟
تتبع المرء لتسلسل الأحداث يجعله في حيرة من أمره، ويضع تساؤلات كبيرة في البحث عن حقيقة الأمر.
في إحاطة مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن في 15 أبريل (نيسان) 2019، قال إن كلا الطرفين قبلا خطة إعادة الانتشار المفصلة للمرحلة الأولى، التي أعدها الجنرال مايكل لوليسغارد.
في 17 أبريل الماضي، استقبل الرئيس هادي في الرياض، وبحضور رئيس مجلس النواب وأعضاء الفريق الحكومي في لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ومعه رئيس لجنة تنسيق الانتشار، اللواء مايكل لوليسغارد، والوفد المرافق لهما.
في إطار مساعي المبعوث الأممي الرامية لبدء تنفيذ خطة المرحلة الأولى لإعادة الانتشار، قام بزيارة إلى صنعاء يوم الأحد 5 مايو، التقى فيها مسؤولين وقيادات من الحوثيين، قبل أن يجتمع في الرياض مع أعضاء في الحكومة اليمنية، على رأسهم نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، ووزير الخارجية اليمني خالد اليماني.
أليس من المعتقد أن يكون المبعوث الأممي في لقائه المذكور، قد تحدث مع المسؤولين اليمنيين عن المبادرة الأحادية للحوثيين؟ أم أنه التقى بنائب الرئيس هادي لتهنئته بحلول شهر رمضان المبارك؟
وقد التقى السيد غريفيث في الزيارة نفسها بالأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، لبحث آخر تطورات الأوضاع في اليمن، وقد أكد الأمير خالد بن سلمان للمبعوث الأممي دعم الرياض لجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي في اليمن، وحرص المملكة على تقديم العون لليمنيين.
وهذا الموقف الداعم للأمم المتحدة هو امتداد لموقف الرباعية (بريطانيا والولايات المتحدة والسعودية والإمارات) في اجتماعها الأخير في لندن حول اليمن.
كان من الأفضل لممثلي الشرعية بدلاً من التهويل وانتقاد الأمم المتحدة، بأنها ستُخدع مرة أخرى من الحوثيين بوعودهم الكاذبة التي ليست إلا مسرحية هزلية، كان من الحصافة والذكاء الترحيب بالمبادرة الأحادية بإعادة الانتشار، وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية عدم تنفيذ الحوثيين ما أعلنوا عنه، أو على الأقل توزيع الأدوار بين وزراء الحكومة الشرعية، بين مؤيد للمبادرة ومندد بها.
ولكن ممثلي الشرعية «الرخوة» ارتأوا غير ذلك، وفضلوا سياسة التهجم المباشر على الأمم المتحدة وممثلها في اليمن. ولكل دولة عضو في الأمم المتحدة حق الدفاع عن مصالحها دون التشكيك في دور المنظمة الدولية، كوسيط لحل الأزمة اليمنية.
في الحقيقة، هجوم وزير الخارجية خالد اليماني على غريفيث، ليس مرتبطاً فقط بمشكلة الحديدة وإعادة الانتشار؛ بل هو بسبب ما أبداه غريفيث من توجه لضرورة وجود تمثيل في مفاوضات المستقبل لممثلي القضية الجنوبية، ولقاءاته عدة مرات بقياداتهم، هذا في الوقت الذي يسعى فيه الحوثيون لاستمالة الجنوبيين معهم، وأنهم يتفهمون مطالبهم، وما يسمونه الظلم الذي لحقهم في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبذلك أحالوا القضية إلى موضوع مظالم وحقوق، وليست قضية سياسية بامتياز.
دون شك، إذا حدث تصعيد خطير في المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران، فإن اليمن والخليج سيكونان مسرحاً للمواجهة، وقد يستغلها الحوثيون بالتمدد في خدمة الاستراتيجية الإيرانية إلى عدن وباب المندب والمحيط الهندي! وستكون إعادة الانتشار معناها العودة إلى عدن، فهم ليسوا في حاجة إلى إعادة الانتشار في الحديدة؛ لأنهم أصلاً موجودون فيها.