شهدت عملية السلام في اليمن، خلال العامين الماضيين، جموداً غير مسبوق وتعثراً لكل خرائط السلام، لكن ملامح انفراجة تلوح في الأفق بعد أسابيع من تعيين البريطاني، مارتن غريفيث، مبعوثاً أممياً جديداً، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ.
بعد أسابيع فقط من تعيينه، تعهد “غريفيث”، في أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، بتقديم “خارطة سلام جديدة” بشأن الحل السياسي للنزاع اليمني المتصاعد، وذلك خلال شهرين فقط .
ورغم موجة تصعيد عسكري كبير تشهدها عدد من الجبهات اليمنية، مع دخول الحرب عامها الرابع، إلا أن المبعوث الأممي بدا واثقاً من إمكانية تحقيق السلام وتقديم خطة سلام في زمن قياسي، وهو ما فشل فيه سلفه ولد الشيخ أحمد طوال ما يقرب من 3 أعوام.
ومنذ تصاعد حدة النزاع في 26 مارس/آذار 2016 وتدخل التحالف العربي لمساندة شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، رعت الأمم المتحدة ثلاث جولات من المشاورات، اثنتان منها كانتا في سويسرا، وثالثة استمرت لأكثر من 90 يوماً في الكويت.
جولة مختلفة
بعد تعيينه رسمياً مطلع مارس/آذار الماضي، بدأ المبعوث الجديد، مارتن غريفيث، جولة إقليمية مطولة، شملت 4 عواصم عربية، وذلك قبل التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لتقديم أولى إحاطاته حول الملف اليمني، الثلاثاء الماضي.
تشابهت محطات جولة المبعوث الجديد مع سلفه ولد الشيخ، لكن طاولة الأطراف التي يحاورها كانت تتسع بشكل أكبر عن سابقاتها والتي كانت تشهد حضور طرفين رئيسيين هما : “حكومة هادي” باعتبارها الجهة الشرعية، و”الحوثيون”، باعتبارهم الجهة التي انقلبت على السلطة.
ففي الرياض، لم يلتقِ “غريفيث”، فحسب، بالرئيس هادي الذي يقيم بالعاصمة السعودية بشكل مؤقت، كما جرت العادة، بل التقى أيضا قادة الأحزاب اليمنية الموالية للشرعية ونائب رئيس الجمهورية السابق/ خالد بحاح، الذي تمت إقالته في إبريل/نيسان 2016 بعد خلافات مع هادي.
وفي صنعاء، التقى المبعوث الأممي، بممثلين من جماعة الحوثي وممثلين من حزب المؤتمر الشعبي العام ومكونات أخرى غالبيتها توصف بأنها أحزاب ظل حوثية، لكن الاختراق الأبرز كان بلقائه زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، حسب وسائل إعلام حوثية .
ولا يُعرف كيف تم اللقاء، وهل عقد وجهاً لوجه أم عبر دائرة تلفزيونية، لكن مصادر أكدت للأناضول، أن المبعوث الأممي خرج بوعود من زعيم الحوثيين، أبدى فيها رغبته وجماعته في إنهاء الحرب والجنوح للسلام بشروط محددة، لم يتم الكشف عنها.
وفي مسقط التقى “غريفيث” بأعضاء الوفد التفاوضي الحوثي، والقيادي في حزب المؤتمر وعضو الوفد التفاوضي، أبو بكر القربي، بالإضافة إلى وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، الذي يوصف بأنه أحد أبرز اللاعبين الإقليميين في الملف اليمني منذ اندلاع الحرب.
ولأول مرة، كان أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال طرفاً حاضراً في أجندة الأمم المتحدة، حيث التقاهم المبعوث الأممي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، قبل لقائه بأحمد علي عبدالله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق، كما التقى أيضا بوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد.
ويرى مراقبون، أن المبعوث الأممي استطاع من خلال جولة أولى الاستماع لأبرز القضايا من أبرز اللاعبين على الساحة اليمنية، وتوصل إلى نتيجته التي أعلنها أمام مجلس الأمن الدولي، مبدياً ثقته في أن الخطوط العريضة للحل موجودة .
ويعتقد “غريفيث”، أن الخطوط العريضة لحل الأزمة هي “إنهاء القتال، وسحب القوات وتسليم الأسلحة الثقيلة في المواقع الرئيسية، بمعية الاتفاق على تشكيل حكومة تتسم بالشمولية وتجمع الأطراف فيما بينها على توافق في الآراء لبناء السلام”.
وأكد في المقابل أن التوصل إلى نتيجة ناجحة للمفاوضات ” يستدعي التحلي بالصبر والاجتهاد وحسن النية”.
الإنصات لكل اللاعبين
لا يُعرف ما إذا كان المبعوث الأممي ينوي دمج كل الأطراف التي التقى بها، ومن بينها نجل صالح، في المشاورات المرتقبة، لكن مراقبين يرون أنه أراد من خلال استراتيجيته الجديدة فهم أدوار وموقع الفاعلين الذين كرستهم الحرب في أرجاء الجغرافيا اليمنية ورأيهم في مسار السلام والمفاوضات.
يقول الباحث والمحلل السياسي اليمني، ماجد المذحجي : ” إن المبعوث الجديد، يميل للإنصات لكل اللاعبين في الساحة واستكشاف مدى حضورهم على الطاولة، خلافاً للمبعوث السابق الذي كان يقصر المسار على فاعلين اثنين هما الشرعية والحوثيين”.
ويضيف المذحجي في تصريحات للأناضول : “من الواضح أن جولة نشيطة كهذه للمبعوث هي محاولة ترتيب أولوياته وتصميم خطته للسلام، أكثر من كونه يشرع فعليا في جولة مفاوضات ، هذه الاستراتيجية جيدة حتى الآن لكن نتائجها ليست واضحة”.
وفيما أشار إلى أن هذه الاستراتيجية “تكفل فهم الأطراف وحدود مطالبهم وموقعهم من المسار السياسي الجديد”، يعتقد المذحجي، أن فرص السلام في اليمن، وعلى الأقل في المدى المنظور، غير متاحة إلى الآن.
ويقول : “خلال 2018 لن نشهد جولة مفاوضات واضحة ، نحن بانتظار شكل المفاوضات الذي سيرسيه مارتن غريفيث، وما إن كان سيعتمد مفاوضات الطاولة المباشرة مثل سلفه ولد الشيخ، أم إنجاز تفاهمات ووضع الأطراف على الطاولة للتوقيع في نهاية المطاف”.
ومع تزايد التصعيد العسكري، يتوقع المذحجي، أن : “كل التفاصيل المهمة والفنية وجمع المعلومات والتسخين الإقليمي مع إيران، تشير إلى أن الملف اليمني لن يحظى بتسوية خلال هذا العام على الأقل أو العام القادم”.
ومنذ 26 مارس/آذار 2015، تقود السعودية تحالفًا عسكريًا يدعم القوات الحكومية اليمنية في مواجهة مسلحي الحوثيين، الذين يسيطرون على محافظات، بينها صنعاء منذ 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
ولحين إعلان “غريفيث” عن خارطته المأمولة، يبقى اليمنيون فريسة يتنازعها القصف والحصار والأمراض الفتاكة، في وقت تؤكد الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها أن أكثر من 22 مليون نسمة أي نحو 75 بالمائة من نسبة السكان باليمن يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والحماية، وأن 18 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 8.8 مليون لا يعرفون كيف سيحصلون على وجبتهم الغذائية ..