د.عيدروس النقيب
لن ألتفت كثيراً إلى الضجة التي افتعلتها قناة الجزيرة حول حديث وزير خارجية الشرعية عبد الملك المخلافي، عن الخلاف مع الإمارات وسبب عدم عودة الرئيس هادي إلى عدن فقد تناولها الرجل بلباقة واضحة وهو ما يؤكد أن محاولات الجزيرة تضخيم حديث الوزير ليس إلا في إطار بحثها عن إدانة للإمارات في كل حديث وكل حدث حتى لو كان هبوب عاصفة في الأرجنتين، وبالعكس فقد أشاد الرجل بالدور الإماراتي وبرر ما أسماه بالإشكاليات بضخامة المهمة التي تم أنجازها على ايدي قوات التحالف وهي حقيقة لا يختلف عليها اثنان.
سأتناول هنا أربع نقاط من حديث السيد المخلافي إلى قناة البي بي سي وهي:
١. استفز مذيع البي بي سي وزير خارجية الشرعية بسؤال عن مصادر تهريب السلاح إلى الحوثيين وافتراض ما إذا كان تجار السلاح (قال تجار السلاح، ولم يقل أنصار الشرعية) هم من يمد الحوثي به؟ فكان رد الوزير شططاً ومتشنجاً لا يفوت على كل ذي عينين ما يتضمنه من دفاع مستميت عن تجار السلاح، إذ اجاب بسؤال فيه من الغباء أكثر مما فيه من التهرب: وهل لديكم في البي بي سي ما يؤكد ذلك؟ وهي طريقة الديكتاتوريين والطغاة في تناول القضايا والأحداث والملابسات والدفاع عن تجار الحروب ومراكز قوى الفساد متعدد الأوجه، مما دفع المذيع إلى القول: نحن نتحدث عن فرضيات ليس إلا.
ما تجنب الوزير تناوله هو حقيقة أن عشرات الألوية التي تربض في محافظات الجنوب (المحررة) لم تعلن ولاءها للشرعية إلا متأخرة وبعضها بل وربما كلها لم تطلق رصاصة واحدة ضد الانقلاب والانقلابيين ولا ضد القاعدة وداعش اللتين سيطرتا على مساحات واسعة في شبوة وحضرموت بعضها تقع على بعد أمتار من معسكرات تلك الألوية، وأنها أي الألوية تسيطر على نقاط حدودية برية وبحرية ويستخدمها قادة تلك الوحدات للإثراء والتهريب وما تهريب الأسلحة إلى الحوثيين إلا جزءً من عمليات تهريب واسعة يقوم بها هؤلاء تشمل كل شيء من المشروع والممنوع، ولكي لا نذهب بعيدا لنستمع إلى رئيس مجلس الحوثيين وهو يتحدث بوضوح قائلا: “أسلحتنا تأتينا من مأرب في إطار عملية القات مقابل السلاح” والقارئ اللبيب يعرف ماذا تعني مأرب في هذا السياق المهم للقضية اليمنية الشائكة، مع جل التقدير والاحترام لأبناء مأرب وشرفائها ومناضليها.
(https://youtu.be/sftjB-KKiPQ).
٢. كان مذيع القناة قد سأل الوزير المخلافي عن المسيرات والمهرجانات التي شهدتها صنعاء وما إذا كانت الشرعية قادرة على تنظيم مهرجانات مشابهة فكان تهرب الوزير من قول الحقيقة واضحاً من خلال الادعاء بأن الشرعية لا تحتاج إلى مثل هذه الفعاليات لإثبات وجودها وتأييد الشعب لها، وفي الحقيقة ان حكومة سيادته غير قادرة على إقامة فعالية لألف نفر فقط ببساطة لأن نموذج الحكم السيء الذي قدمته هذه الحكومة وغرقها في مستنقع الفساد وفشلها في توفير أبسط متطلبات الحياة الاعتيادية والضرورية، . . .فساد الحكومة الذي تجاوزت فيه فساد صالح وعصره وكل فساد وفشل عرفته اليمن طوال تاريخها، بحيث صار مجرد تسليم موظفي الدولة مستحقاتهم القانونية بعد ستة أو سبعة أشهر خبرا يستحق النشر والتداول والتعليق والإشادة شأنه شأن أي حدث عظيم كفتح الأندلس وهزيمة النازية وتأميم قناة السويس، ناهيك عن أن هذه الحكومة لم تساهم بطلقة رصاص واحدة في تحرير محافظات الجنوب بل إن الجنوبيين هم من حرر أرضهم بأنفسهم وجاءت حكومة الشرعية لتقطف ثمار هذا التحرير وتعاقب المواطنين الذين ألحقوا بالانقلاب والانقلابيين أمَرَّ الهزائم.
٣. كان المخلافي وفي مقابلة سابقة قد عبر عن الخوف من إعادة إعمار المناطق المحررة بسبب تنامي النزعة الانفصالية في الجنوب، لكنه هذه المرة استنجد بمبرر آخر وهو محدودية الإمكانيات وشحة الموارد، بيد إن الحقيقة هي أن الحكومة تمارس عقاباً سياسياً ومعيشياً على سكان الجنوب ومناضليه وهي تتعمد ليس فقط إهمال الخدمات الأساسية بل وتدمير ما تبقى مما ورثه الجنوبيون من مصالح خدمية تعليمية وطبية وبلدية وقضائية وأمنية ومؤسسية من عهد ما قبل 1990م، حتى يبقى الجنوب تحت رحمة أساطين حرب ١٩٩٤م الشرعيين، ويعلم السيد المخلافي أن خدمات الكهرباء والمياه النقية والصرف الصحي والخدمات البلدية عموما قد عرفتها عدن قبل أكثر من مائة عام وأن التعليم المجاني والتطبيب المجاني وتفعيل اجهزة الأمن والقضاء والإدارة الحديثة ظلت جزءً من حياة أبناء الجنوب في القرية والمدينة لكنها بالنسبة للمخلافي وأمثاله متطلبات بذخية لا يصل إليها إلا المترفون.
٤ ونأتي لزبدة القضايا وصميمها وهي الموقف من القضية الجنوبية والمجلس الانتقالي وفي هذه القضية يمكن التعرض لأربع جزئيات أثبت فيها المخلافي أنه تلميذٌ ناجحٌ بتفوق من تلاميذ مدرسة عفاش، حتى وإن دخلها عبر المدرسة الناصرية الرائعة التي كانت ذات يوم قوة جذب سحرت ألباب عشرات الملايين من الشباب العربي عندما كان فيها قادة أمثال جمال عبد الناصر وشعراوي جمعه وعلى صبري وغيرهم، وكان في اليمن قادة امثال عيسى محمد سيف وزملائه عليهم جميعا رحمة الله وغفرانه، وتتمثل الجزئيات الأربع في:
أ. من المعروف أن موقف السيد المخلافي من القضية الجنوبية هو نفس موقف غزاة ١٩٩٤م إذ لا فرق بين هذا الموقف وموقف عفاش واتباعه من المؤتمريين وموقف علي محسن والزنداني وأتباعهم من الزملاء الإصلاحيين وكلهم لا يرون في الجنوب إلا غنيمة اكتسبها الغزاة من خلال حرب “الوحدة المعمدة بالدم”وبالتالي فمن المستحيل انتظار أي موقف منصف لضحايا حرب الغزو والاحتلال في ١٩٩٤م من قائد ظل يرهن مستقبله السياسي برضى عفاش عنه لينقله بعد الثورة الشبابية إلى الرهان على رضى خليفة عفاش ، الجنرال علي محسن، ومن هنا يمكننا تفهم تحامله المبالغ فيه على الجنوب والجنوبيين وممثليهم من القوى السياسية الأصيلة.
ب. في ما يخص أحداث ٢٨-٣٠ يناير الماضي، تقمص السيد المخلافي شخصيتي زميليه بن دغر والميسري الذين وجها بقتل المحتجين سلميا وارتكبا جرائم قتل تجاوز عدد ضحاياها الثلاثين شهيدا ومئات الجرحى ثم ذهبا إلى اتهام الضحايا بالاعتداء على القتلة، تماما كما يفعل كل طغاة الدنيا، وكما كان يفعل معلمهم عفاش مع كل نشطاء العمل السلمي في الشمال والجنوب على السواء، مع فارق واحد أن عفاش أعلن الحداد بعد أن ارتكب مجزرة جمعة الكرامة بينما يواصل المخلافي وزميلاه المطالبة بإدانة الضحايا بعد قتلهم.
ج. ووفاءً منه لروح عفاش ونهج ورثته يدعي السيد المخلافي أن الجنوب شريك في السلطة، لا بل الأكثر من هذا يمن سيادة الوزير على الجنوب أن الرئيس جنوبي ورئيس الوزراء ونصف الوزراء من الجنوب وهي نفس المعزوفة المقرفة التي ظل عفاش وأبواقه يكررونها كلما تحدث الجنوبيون عن الظلم الذي لحق بهم على مدى ٢٤ سنة، وهو يؤكد انه حتى المطالبين بتقرير مصير الجنوب كانوا جزءً من السلطة ولكنهم أخرجوا منها بسبب الفساد فراحوا يؤسسون المجلس الانتقالي! ! !
وعندما سأله المذيع : لكن الدعوة إلى الانفصال تنتشر بقوة بين الجنوبيين؟ رد عليه بنفس لغة إعلاميي عفاش وتلاميذ مدرسته الأوفيا: من يمثل الجنوب؟ ويواصل: ان الجنوب له ممثلين آخرين وكلهم وحدويين؟
لا أدري أهو التذاكي الزائف أم الغياب الذهني عن الواقع والوقائع ما يجعل نائب رئيس وزراء ووزير أخطر وزارة – بعد أن اهملت وزارة الدفاع وأسندت إلى شخص سبق وأن تم عزله بسبب اتهامه بالفساد، – ليتساءل من يمثل الجنوب؟
نقول للسيد المخلافي الأمر في غاية البساطة: انصح زملاءك (الوحدويين الجنوبيين) مجتمعين بما في ذلك الحراكات المصنَّعة المقيمة معك في نفس الفندق، والوزراء والتشكيلات الحراكية المدعومة من الحوثيين والمدعومة من عفاش وورثته أو من تحالف ١٩٩٤م المؤيد للشرعية ليقيموا فعالية واحدة يحضرها مئات وليس بالضرورة آلاف من أبناء الجنوب، ويعلنوا فيها أنهم مع وحدة ١٩٩٤م والاحتفاظ بنتائج حرب ٧/٧، فإذا ما نجحتم في حشد بضع مئات فسنعترف لكم أنكم جزء من تمثيل الجنوب! اما إن تأتيني بواحد أو أكثر دعم حرب ٩٩٤م أو دعم إعلان فك الارتباط في ١٩٩٤م ثم وقف في صف عفاش ضد الثورة الشبابية السلمية ثم وقف مع الانقلاب الحوثي العفاشي ضد الشرعية ورئيسها، ثم وقف مع عاصفة الحزم والله وحده يعلم أين سيقف في المرات القادمة وتقول لي هذا جنوبي ووحدوي ويمثل الجنوب، فبصراحة هذا تجني على عفاش الذي اخترع هذه الأحجيات وتعب كثيرا في إنتاج هذه الألاعيب وراح يطبق اختباراتها على بعض البشر كما يطبق مروضو الحيوانات تجاربهم على حيواناتهم.
د. وبالعودة إلى الحديث عن فساد أعضاء المجلس الانتقالي الذي قال الوزير أنه سبب عزلهم عن(الشراكة ) ( التي ثرثر فيها كثيرا) نذكر السيد المخلافي أن عيدروس الزبيدي وفر لمحافظة عدن قرابة ٦ مليارات ريال من مواردها المحلية المحدودة ليأتي زميلك ورئيس وزرائك ويحولها إلى العملة الصعبة ويودعها في أحد البنوك الاجنبية، ونذكره أيضاً أن أحدا من أعضاء المجلس الانتقالي لم يوظف قريبا من أقربائه أو صديقا من أصدقائه في مكتبه أو مكان عمله في حين يعلم سيادة الوزير من هو الذي جاء بابنه بشهادة الثانوية العامة ليمنحة درجة وكيل وزارة على لا شيء ويوظف العشرات من اسرته وأقاربه في مواقع وهمية ولكن بدرجات وظيفية أقلها مدير عام وبراتب شهري مغري وبالعملة الصعبة وأقلها بالريال السعودي.
عندما قال المصريون مقولتهم المشهورة “اللي اختشوا ماتوا” كانوا يقصدون أنه لم يعد في المواقع المرموقة إلا من افتقدوا لفضيلة الخجل، وعندما قالت العرب “رمتني بدائها وانسلت” كانوا يعنون بالضبط هذا النوع من السياسيين الذين يفعلون الموبقات ويمارسون الفضائح ثم يتهمون بها من لا يروق لهم من السياسيين.
هنيئا للرئيس هادي ونائبه الجنرال علي محسن بأمثال بن دغر والميسري والمخلافي فبهم يرتفع رأس من عينهم في هذه المناصب المهمة، وهنيئا لروح عفاش بعد غيابه فقد أصبح تلاميذه يتقنون كل تعاليمه ويمارسون بإتقان كل الدروس التي تعلموها على يديه.
ولله في خلقه شؤون