وفقاً لتحالف دول الخليج والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، تنتهك إيران حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة من خلال محاولة تزويد المتمردين الحوثيين بأنظمة صواريخ (أرض-جو) متقدمة. ويمكن أن يؤدي تهريب نسخ صواريخ “سام” (SAM) المعروفة بـ )صياد-2 (Sayyad-2Cالإيرانية الصنع ومعدات تعقّب الطيران السلبية ، أن يزيد من التهديدات التي يطرحها الدفاع الجوي على حلفاء الولايات المتحدة مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يهدد بدوره الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية.
تطور الدفاعات الجوية الحوثية
عند سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين في أيلول/سبتمبر 2014 وأجزاء أخرى من البلاد في آذار/مارس 2015، صادر الثوار غالبية المخزون الحكومي من صواريخ “سام” من صنع الاتحاد السوفيتي سابقاً والرادارات المرتبطة بها، بما فيها تلك من طراز “SA-2 ” و “SA-3” و “SA-6” و “SA-9″، فضلاً عن أنظمة الدفاع الجوي المحمولة. لكن هذه الأسلحة لم تشكل تهديداً خطيراً على طائرات التحالف. أولاً، أضحى الكثير منها قديماً وبحاجة إلى تصليح. ثانياً، دمر التحالف العديد من مواقع الدفاع الجوي الثابتة والرادارات والطائرات الاعتراضية التي يديرها المتمردون بحلول منتصف نيسان/أبريل 2015. وثالثاً، قام المتمردون بتطوير صواريخ “SA-2 ” المتبقية لتصبح صواريخ بالستية أرض-أرض قصيرة المدى تحمل اسم “قاهر 1” و “قاهر 2”.
ونتيجةً لذلك، ظلت بيئة الدفاع الجوي في اليمن حميدة إلى حد كبير. وكانت الخسائر التي تم الإبلاغ عنها في عام 2015 ضئيلة للغاية. حيث تم إسقاط طائرة مغربية من طراز “F-16″، وطائرة أخرى بحرينية من طراز “F-16″، ومروحيتين سعوديتين من طراز “أباتشي AH-64″، وما يصل إلى اثني عشر طائرة استطلاع بدون طيار. وكانت حصيلة عام 2016 أقل بكثير باستثناء مروحية واحدة وطائرة بدون طيار تم إسقاطهما من خلال “سلاح خاص” غير محدد، غير أنه لم يتم تأكيد سقوط أي طائرة قتالية بنيران معادية في ذلك العام، على الرغم من أن ادعاء الحوثيين بأنهم قد دمروا طائرة من طراز “F-16” وأربع مروحيات وستة عشر طائرة بدون طيار.
وفي هذا الإطار، حفّز هذا الافتقار الواضح للنجاح، معسكر المتمردين على التوصل إلى تدابير مبتكرة مثل تطوير الصواريخ الحرارية جو-جو، روسية الصنع من طراز (“AA-10 ألامو B” و “AA-11” وربما “AA-8” و “AA-7”)، لتصبح أسلحةً مضادة للطائرات تستخدم الشاحنات كمنصة إطلاق. وبالإضافة إلى ذلك، تُستخدم هذه الأنظمة المرتجلة لنصب الكمائن – ([باستخدام صواريخ] “سام”) – أي هجمات مباغتة من مسافة قريبة ضد طائرات التحالف. ويصعب مواجهة مثل هذه الهجمات ؛ لأنها لا تعتمد على التوجيه بالرادار القابل للكشف. بدلاً من ذلك، تستخدم مستشعرات الأشعة تحت الحمراء التي تبحث عن الحرارة لاستهداف الطائرات النفاثة التي تحلق فوق قمم الجبال.
في 23 شباط/ فبراير 2017، قامت طائرة بدون طيار تابعة للتحالف بتصوير شاحنة تحمل صاروخاً مضاداً للطائرات من طراز “سامAA-10 ” للمرة الأولى في منطقة الصليف الساحلية.
في اليوم التالي، تحطمت طائرتان من طراز “F-16” (إحداهما أردنية) في محافظة نجران السعودية. وزعم الحوثيون أنه تم إسقاطهما، إلا أن التحالف توصل إلى أن الطائرة الأردنية قد تحطمت بسبب عطل فني.
في 15 أيار/مايو، ذكرت وكالة الأنباء اليمنية الخاضعة للحوثيين أنّ متحدثاً باسم المتمردين قد حذّر من أنّ نظام دفاع جوي جديد سيدخل حيّز الخدمة “قريباً جداً” و”سيفاجئ” التحالف، وسيقلب مقاييس الحرب الجوية. وبعد أربعة أيام، ادّعى الحوثيون إسقاط طائرة “F-15” من خلال “نظام دفاع جوي جديد ودقيق للغاية”.
في 7 كانون الثاني/يناير 2018، استهدف صاروخ مضاد للطائرات من طراز “AA-10” الذي طوره الحوثيون طائرةً سعودية من طراز “F-15” وألحق أضراراً طفيفة بها.
في 21 آذار/مارس، أطلق المتمردون المتمركزون في مطار صعدة صاروخاً آخر من طراز “AA-10” على طائرة “F-15” سعودية، مما تسبب بأضرار طفيفة.
في 26 آذار/مارس، تعرّضت طائرتان إماراتيتان من طراز “F-16” للاستهداف من صاروخ حراري [انطلق] من الأرض، غير أن هذا الهجوم باء بالفشل.
صواريخ “صياد” من إيران
يدّعي التحالف أيضاً أن إيران قد أرسلت أنظمة صواريخ جديدة إلى اليمن، وعرَضَ شحنات تم الاستيلاء عليها كدليل على ذلك. وفي 26 آذار/مارس، كشف المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العقيد تركي المالكي عن وجود هيكل لصاروخ ومعدات إلكترونية حربية يُزعم أنه تم تهريبها إلى البلاد في وقت سابق من ذلك الشهر لاستخدامها من قبل الحوثيين. ولم يضم هيكل الصاروخ قسم الأنف التوجيهي الأمامي ولا بعضاً من جُنيحاته ولا أسطح التحكم، حيث لم يتم اعتراضها في نفس الشحنة. ومع ذلك، حمل علامات واضحة ووسماً (بالفارسية) تابعاً للصاروخ الإيراني “سام صياد 2C”.
وتتضمن سلسلة منظومات “صياد” ثلاثة صواريخ متوسطة المدى (75 – 120 كم)، وصواريخ تضرب أهدافاً عالية الارتفاع (27 كم) وهي: “صياد 1” وهو النسخة المحلية من المنظومة الصينية “HQ-2” وهي بدورها نسخةً من “SA-2″، و “صياد 2” الذي يستند إلى منظومات “RIM-66 SM-1″ التي طورتها الولايات المتحدة في سبعينيات القرن المنصرم، و”صياد 3” وهو نسخة ذات مدىً أطول من “صياد 2”. وبالمقارنة مع الرأس الحربي الصغير نسبياً لمنظومة “AA-10” الذي يبلغ وزنه 35 كيلوغراماً، فإن “صياد 2” يضم رأساً حربياً مدمراً وزنه أكثر من 195 كيلوغرام.
وقد يكون لبعض أنواع صواريخ “صياد” قدرات إضافية. ووفقاً لإيران، يمتلك “صياد 3C” قدرةً على استخدام الأشعة تحت الحمراء فضلاً عن التوجيه بالرادار النشط وشبه النشط. كما أن “صياد1(A)” هو أيضاً مجهز بهذه التقنية. أمّا “صياد 2C”، وهو البديل الذي يدّعي التحالف أنه استولى عليه، فلم يظهر علناً في إيران، لذا قد يكون نسخةً تجريبية أخرى مخصصة للاختبار في اليمن. ولم يكن هذا مفاجئاً، لأن إيران أرسلت للحوثيين نسخاً بعيدة المدى من صاروخها البالستي ” قيام- 1″ (Qiam-1)، والذي تم تعديل كل منها خصيصاً للوصول إلى الرياض. وفي ظل غياب الرأس الحربي والجنيحات من صاروخ “صياد 2C” المصادَر، لم يتمكن التحالف من أن يحدد بشكل قاطع ما إذا كان المقصود منه تطوير صاروخ “سام”، أو صاروخ أرض-أرض؟ أو ماهية القاذفة التي يمكن إطلاقها منه؟.
الرادارات الافتراضية الإيرانية الصنع
بالإضافة إلى “صياد2C “، أكّد التحالف أنه استولى على أنظمة تتبُّع إلكترونية صنعتها الشركة الإيرانية [“بهينه بردازان ريزموج صنعت” -Behine Pardazan Rizmojsanat (BP-RMS))] ، وعلى وجه التحديد، جهاز مرسل مستجيب (يعرف أيضاً باسم مستقبل الرادار الافتراضي) يجمع بشكل سلبي إشارات تنظيم الملاحة الجوية التي تبثّها الطائرات العسكرية والتجارية. واستناداً إلى أنظمة البث الإذاعي المعتمِدة على الأقمار الصناعية وغيرها من خيارات التتبع السلبي، يمكن لأجهزة استقبال الرادارات الافتراضية التي توردها إيران أن تساعد الحوثيين على مراقبة طائرات التحالف وفك شيفرتها وعرض موقعها الجغرافي الدقيق وارتفاعها وزاوية انحدارها/مسارها، واتجاهها وسرعتها ومصدرها وإشارة ندائها ضمن دائرة يبلغ نصف قطرها أكثر من 250 كم. ويمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لاستخلاص حلول تستهدف بطاريات الدفاع الجوي، مما يسمح لصواريخ “سام” الحوثية بالعمل من دون انبعاثات منبّهة تنتجها رادارات المراقبة.
وبهذه القدرة، قد يتمكن الحوثيون من شن هجمات “فجائية” خطيرة يستخدمون فيها أنظمةً سلبيةً لتتبع الهدف ثم إطلاق صاروخ في الاتجاه الصحيح. ولا يتم تنشيط نظام التوجيه بالأشعة تحت الحمراء أو الرادارات حتى يقترب من الهدف. وبالإضافة إلى تحسين أسلوب الحوثيين في تطوير صواريخ حرارية جو-جو إلى “سام”، يمكن أن يساعد مستقبل الرادار الافتراضي، الذي تزوده إيران للمتمردين، في نصب الكمائن مستخدمين صواريخ “سام SA-6” شبه النشطة والتي يتم توجيهها عن طريق الرادار.
التداعيات على السياسة الأمريكية
يعتمد دعم التحالف للحكومة اليمنية بشكل كبير على إتاحة بيئة دفاع جوي متساهلة. وعلاوةً على ذلك، لن يعود الحوثيون إلى طاولة المفاوضات بحسن نية إذا اعتقدوا أن أنظمة صواريخهم قد تجبر التحالف على الحدّ من ضغوطه على الحديدة وصنعاء والجبهات القتالية الرئيسية الأخرى.
ووفقاً لذلك ، يتعين على الولايات المتحدة توسيع نطاق دعمها الدفاعي لقوات التحالف، وتزويدها بالمعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تساعدها على اكتشاف أنظمة “سام” الجديدة، وعُقَد القيادة والتحكم في الدفاع الجوي في الوقت المناسب. كما ينبغي على المستشارين الأمريكيين إعطاء الأولوية لمسألة الحد من الانبعاثات لكي تتمكن طائرات التحالف من تقليل التواقيع الإلكترونية التي تجعلها عرضةً لأجهزة استقبال الرادارات الافتراضية. كما تتمتع القوات الأمريكية بخبرة تكتيكية كبيرة فيما يخص الهجمات المفاجئة، وذلك جراء حملات جوية سابقة- أبرزها منطقة حظر الطيران في شمال العراق- حيث غالباً ما تعرّضت لهجمات الصواريخ المفاجئة “SA-6”.
ويُشكّل منع الشحنات الإيرانية التي تحتوي على الدفاعات الجوية المتقدمة مصدر قلق آخر. فبعد فحص الصواريخ البالستية الإيرانية التي تطلق على السعودية من اليمن، خلص فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير إلى أن طهران “في حالة عدم امتثال للفقرة 14 من القرار 2216 (2015)”، في إشارة إلى حظر الأسلحة المفروض على الحوثيين بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ومن شأن الاستيلاء على “صياد 2C” في الشهر الماضي، أن يزيد على قائمة السوابق هذه إذا تم التأكد منها.
لذا ينبغي على الولايات المتحدة توثيق التضافر مع الحكومة اليمنية والتحالف لكشف أي تهريب إيراني آخر لأي من منظومات “سام” أو الأنظمة الحربية الإلكترونية التي يمكن أن تهدد الطيران المدني بسهولة مثل الطائرات العسكرية.
أمّا التحالف فيجب أن يشارك على الفور المعلومات والاكتشافات الخاصة بالأسلحة، مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المعنية بتحديد الأسلحة، التي يمكنها المساعدة في تأكيد النتائج التي توصل إليها.
ولن تحل هذه الجهود محل المقتضيات الملحة، التي لها نفس القدر من الأهمية، لتحقيق نهاية مستدامة للصراع الدامي ؛ بل قد تشكّل في الواقع شروطاً أساسية للتسوية.
تنويه: هذا التقرير نشره “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، لكاتبيه: فرزين نديمي* ومايكل نايتس**