كُتب بواسطة : احمد عمر بن فريد –
تماما كغيره من ” أحزاب السلطة ” العربية التي ولدت وفي فمها ملعقة سلوطية ذهبية , تتغذى منها برفاهية وقتما تريد وكيفما تشاء , وتمارس السياسة بلغة الأوامر والفرمانات في دهاليز الحكومات المتعاقبة التي تتغير ويتبدل افرادها بينما يبقى هو كثابت معطى في معادلة السياسة المختلة ..
الحزب الذي يتصرف بالمال العام وكأنما هو ميراث عائلي لمؤسسه الأول , أو حق من حقوقه الشخصية .. ذلك كان هو حال المؤتمر الشعبي العام في عهد صالح ! .. وتماما كغيره من الأحزاب العربية التي تموت ” فورا ” بموت مؤسسها الأول رئيس الدولة , الذي هو الراعي الرسمي ل” فخامة الحزب ” …
والذي يضفي عليه من فخامته قدرا من الفخامة التي تفقده قدرته على فهم معنى الحزب السياسي الحقيقي , أوالدور الذي يفترض ان يقوم به كباقي الأحزاب التي تعمل في ظل الأنظمة والقوانين في الدول الديمقراطية ..
ايضا هذا هو المؤتمر الشعبي العام .
كانوا يسخرون في مرحلة مابعد حرب احتلال الجنوب 1994 م من الحزب الاشتراكي , و يطلقون عليه تهكما لقب ” المرحوم ” فاذا بالزمن الذي قضى على الاشتراكي يمارس سطوته ايضا على المؤتمر الشعبي العام ويحوله الى ” مرحوم ثاني ” او الى ” أيتام الزعيم ” في احسن الأحوال .
وفيما قدم لنا شيخ الاسلام الجليل / ابو حامد محمد الغزالي كتابه الشهير ” احياء علوم الدين ” … خرج علينا بالأمس أحمد بن الميسري بعمل سياسي يهدف منه الى ” احياء علوم المؤتمر الشعبي ” ..!! في عملية احياء ل” المرحوم الجديد ” تمت بقاعة تتبع المعاشيق في عدن , محاولا نفخ الروح في جسده الميت كما سالفنا .., وعلى الرغم من انني شخصيا نصير قوي للحريات السياسية ولقيم الديمقراطية التي لا تتجاوز الثوابت الوطنية ولا تنتهكها بقدر ما تعززها , الا انني كنت اتمنى ان تكون هذه المحاولة ” الاحيائية ” للمؤتمر تنم فعلا عن ايمان استراتيجي وليس تكتيكي يتم وفقا لقواعد ” المناكفة السياسية ” .. ووضع العصي في دواليب المجلس الانتقالي الجنوبي ليس الا ! .. فلا يمكن لأحد ايا كان ان يقنعني ان عقد مؤتمر المؤتمر وفي هذا التوقيت بالذات الذي يتواجد فيه المبعوث الأممي الجديد في المنطقة , اتى بعيدا عن مفهوم ” ضيق جدا ” يهدف في الأساس الى التضييق على حضور المجلس الانتقالي في الجنوب , ومنح رسائل للسيد / مارتن غريفيت .. تقول بأن هناك مؤتمر شعبي جنوبي , وله وجهة نظرمختلفة بشأن ” الوحدة اليمنية ” .. وله حضور ايضا , ويجب ان يكون على طاولة الحوار !
اكثر ما لفت انتباهي في البيان الختامي لمؤتمر المؤتمر ..عبارة لخصت الموقف الفعلي لهم من قضية الجنوب , وكنت اتمنى على بعض القيادات الجنوبية التي انطلقت مرحبة بهذا ” الحدث العظيم ” مدفوعه في ترحيبها من موقف معادي للانتقالي ان تكون فعلا قد اطلعت على كلمة الميسري عراب هذا اللقاء في عدن ! وحينها كان عليهم ان يوازنوا ما بين الانحياز لقضية الجنوب وتضحيات شعبنا ومابين معنى الترحيب بحدث المؤتمر الذي حدد موقفا واضحا من القضية في عبارة لم تتجاوز عدة كلمات , وذلك لأن المؤتمر لم يكن ليجرؤ في خوض تفاصيل الموقف النهائي له من القضية بشكل دقيق مكتفيا بتلك العبارة التي اتت في صياغة مراوغة , يسهل الانخداع بها للذي يقرأها وعقليته متلبسة بموقف مضاد للانتقالي او للذي يقرأها بحسن نية وسذاجة كبيرة .. تقول العبارة حرفيا ما يلي : .. مع تحقيق اهداف القضية الجنوبية دون افراط او تفريط !!!
اذا هي بالضبط هذه (( دون افراط أو تفريط )) .. واذا سألت الذين رحبوا بمؤتمر المؤتمر عما تعنيه كلمة ” افراط ” بالضبط ربما ستتفاجىء انهم لم يلحظوا هذه الكلمة اساسا ناهيك عن التدقيق في معناها , والسبب طبعا يعود لأن الدخان الكثيف الذي أعمي ابصارهم وعقولهم تجاه الانتقالي كان كفيلا بحجب الرؤية عن هذه العبارة الخطيرة !
دون افراط .. تعني بصريح العبارة ان ” مشروع الاستقلال ” هو نوع من الافراط في الحل , بينما حل الدولة الاتحادية هو ” عدم التفريط ” فيها .. !
فاذا كان مشروع هؤلاء المناضلين يتفق مع رؤية المؤتمر الشعبي بجلباب الميسري عليهم ان يعلنوا ذلك الموقف بشكل علني ويطلبوا من السيد الميسري ان يوسع جلبابه لهم حتى يمكن احتوائهم ايضا .
كنت قد قلت .. أن مشروع الاستقلال في ايدي الجنوبيين انفسهم اليوم , وانه لا يفصلنا عنه الا نحن فعلا , واتى هذا المؤتمر والذين صفقوا له ليثبت هذه الحقيقة المؤسفه جدا .