/ صالح شائف
لابد من الإشارة هنا بداية إلى أن مفهوم المجتمع السياسي هو المفهوم الأوسع والأشمل من مصطلح القوى السياسية الذي يختزل الفعل السياسي بتلك القوى تحديداً؛ ولذلك تعمدت إستخدام هذا المفهوم لإبراز مكانة ودور النشاط السياسي العام في حياة مجتمعنا الجنوبي؛ وبدون أدنى شك بأن المجتمع السياسي الجنوبي نشط ومتفاعل مع الأحداث والتطورات السياسية كافة؛ ويشكل الكتلة والقوة الرئيسة الفاعلة والأكثر حركة في تفاعلات المجتمع سلباً وإيجاباً.
غير أنه وجد نفسه منقاداً ومسلماً زمام المبادرة وتركها بيد القوى السياسية التي لا تعبر بعضها وفي كثير من الأحيان عن مواقفه وآماله؛ ولم يجد الآلية المناسبة بعد؛ ليكون المجتمع السياسي هو صاحب الضغط والتأثير على مواقف وقرارات تلك القوى؛ التي عادة ما تلجأ بعضها إلى إيهام نفسها وإيهام غيرها كذلك؛ بأن لديها جماهيرها ( الخاصة ) الموالية لها قبل الولاء للوطن؛ وبأنها قوتها وأداة ضغطها التي ستحقق بواسطتها ( أهدافها )؛ وهي التي تختزلها بمكاسب خاصة بها أو لقياداتها حصراً؛ وتحول بعضها بفعل ذلك مع الأسف إلى ما يشبه ( الدكاكين ) السياسية البعيدة عن خوض المعارك السياسية بجدية وشرف وطني؛ وما يتطلبه ذلك من تضحيات ونكران للذات وإحترام إرادة الناس والإبتعاد عن إستخدامهم كوسيلة لتحقيق مآرب ومنافع خاصة.
كما أن للمجتمع السياسي حضوره الفاعل كذلك في إطار شبكة منظمات المجتمع المدني المستقلة أو المفترض بأن تكون كذلك؛ وبأضلاعها الرئيسية الأربعة : التنويري والحقوقي والإجتماعي والخيري؛ وهي محكومة بالضرورة بمستوى ودرجة تطور المجتمع تاريخياً؛ وبالوعي المجتمعي ونضج التعاطي مع وظائفها ودورها؛ وبتكاملها ودرجة التنسيق المنظم مع بقية مؤسسات المجتمع الأهلية والرسمية؛ لأن الكل يعمل في ساحة وطنية واحدة وهو هنا المجتمع الجنوبي.
إن توزع الأكثر فاعلية من النشطاء في المجتمع السياسي الجنوبي على قوى وكيانات وأطراف كثيرة؛ أو الوقوع تحت تأثير عدد منها؛ فإن قيادات بعضها عاجزة عن فهم متطلبات اللحظة الراهنة؛ وغير مدركة لطبيعة المعركة التاريخية التي يخوضها الجنوب اليوم دفاعاً عن مشروعه الوطني؛ مما ينعكس ويؤثر سلباً على فاعلية المجتمع السياسي بكامله بالضرورة وبدرجات متفاوته بكل تأكيد ولأسباب وعوامل كثيرة.
فنجد بعض هذه القوى على تعدد مسمياتها وأحجامها وإختلاف وتباين ساحات وميادين فعلها في كثير من الأحيان؛ تتمترس خلف قناعاتها الخاصة وتنظر للأمور بمنظار المصلحة الآنية المباشرة عندما تفقد الحجة والمبررات المنطقية في مواقفها؛ أو عند رفضها لرؤى ومواقف غيرها من شركاء الحياة السياسية؛ وتبعاً لذلك فهي تشخصن مواقفها وتتحرك بها يميناّ ويساراً وحسب مقتضيات تلك المصالح الضيقة؛ أو تحركها رغباتها بالحصول على المزيد من عوامل وظروف تضخيم الذات بشقيه المادي والمعنوي؛ وبأي وسيلة وعلى حساب أي شيء يمكنها من الحصول على هكذا ( مكانة ) ومكاسب.
إن المجتمع السياسي الجنوبي ورغم حيويته وتفاعله الدائم مع مختلف الأحداث والتطورات على تعدد عناوينها وأهدافها؛ وبخاصة تلك المرتبطة بدرجة رئيسية بمستقبله وبمشروعه الوطني؛ إلا أنه يتعرض لتأثيرات سلبية خطيرة تضر بوحدة موقفه وإرادته المجسدة لآماله وتطلعاته الوطنية المشروعة؛ بسسب التجاذبات والإختلافات القائمة بين عدد من القوى السياسية مع الأسف الشديد؛ ولها جميعاً طرقها ووسائل وأدوات تأثير عديدة على المشهد السياسي التفاعلي.
ولعل أخطرها يكمن بلجوء البعض منها لإستدعاء أحداث الماضي السلبية وتوظيفها في المعارك السياسية البينية؛ ناهيك عن إذكاء وحضور النزعات المناطقية والعصبيات القبلية والجهوية وحتى العائلية؛ وأيضاً تلك التي تتمظهر على هيئة أشكال فئوية وشللية مصلحية دائمة ومؤقتة وغيرها؛ وهي لا تقل خطورة على وحدة وتماسك النسيج الوطني والإجتماعي الجنوبي.
إن الضمير الوطني الحقيقي والصادق يمثل في جوهره أعلى درجات تجليات الضمائر الحية التي تنبض بها صدور كل الأوفياء والمخلصين لقضية شعبهم الوطنية والتاريخه وأمجاده ومستقبل أجياله؛ الذي يتوقف على ما تقوم به اليوم كل القوى في سبيل تأمين هذا المستقبل الجدير بشعبنا وكفاحه وتضحياته وهويته وكيانه الوطني المستقل.
إن الأمانة كبرى وتقع على عاتق الجميع دون إستثناء؛ فهل تصحى الضمائر ويغادر الأنانيون وعشاق السلطة والمال والأضواء هذه المربعات المعيبة وطنياً ؟! حتى يتجنبوا الوقوف على الجانب الخطأ من التاريخ الذي لا يرحم؛ وهو الذي سيبقى حياً في ذاكرة شعبنا الذي لن يتسامح مع كل من خذله ويخذله في هذه الظروف المصيرية؛ وتحت أي حجج أو مبررات واهية لا تصمد أمام مقتضيات الظروف وضرورة مغادرة كل من يعز عليهم الجنوب حقاً وفعلاً عدم البقاء في المنطقة الرمادية؛ فلا الحياد ولا مسك العصا من المنتصف يليق بكل من يعلنون وقوفهم مع حرية الشعب ويدعون الدفاع عنه وعن مصالحه.