قالت مصادر سياسية يمنية إن السعودية تدفع مختلف الفاعلين اليمنيين إلى العودة إلى الداخل والمشاركة في الشرعية بنسختها الجديدة وفق الاتفاق الذي تم الإعلان عنه في الرياض منذ أيام، وإنه لا مكان في المرحلة القادمة للسياسيين المتقاعسين أو الشخصيات التي عملت على إدامة الأزمة وعرقلة اتفاق الرياض في نسخته الأولى من أجل أن تبقى في الواجهة.
وأشارت مصادر “العرب” إلى أن السياسيين المتقاعسين، أو الذين يمكن أن يفضي وجودهم إلى عرقلة التسوية الجديدة داخل الشرعية، سيكون مصيرهم مثل الرئيس المتخلي عبدربه منصور هادي ونائبه علي محسن الأحمر، وأن السعودية أبلغت الجميع بأن الإجازة المفتوحة في الرياض قد انتهت بغير رجعة.
وعاد أعضاء البرلمان اليمني الأحد من الخارج إلى العاصمة المؤقتة عدن لأول مرة منذ اندلاع النزاع في البلاد قبل 7 سنوات.
وقال المجلس في بيان “تمثل عودة مجلس النواب إلى عدن مرحلة جديدة لبدء مسار جديد ونوعي في جوانب استكمال استعادة الدولة وتجاوز التحديات الاقتصادية، إضافة إلى متطلبات ضبط الأمن والاستقرار وتفعيل مؤسسات الدولة بكفاءة”.
ووفق مراقبين للشأن اليمني سيعمل نقل الثقل السياسي والإداري في الشرعية إلى الداخل على تدارك الكثير من الأخطاء وإزاحة المعوقات التي شابت أداء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا خلال السنوات الماضية، كما سيعزز قوة الشرعية ويحسّن أداءها في مواجهة تحديات السلام والحرب والتعاطي من موقع قوة مع المبادرة الأممية والتحركات الدولية المتعلقة بالملف اليمني والتي تذهب باتجاه فرض هدنة دائمة.
الخروج من مربع الاسترخاء الذي عاشته قيادات الحكومة اليمنية في السعودية وانتهاء مرحلة إدارة الشرعية من الخارج
وتعكس التركيبة الجديدة لمجلس القيادة الرئاسي حالة الثقل الشعبي والسياسي والعسكري على الأرض، والتي تعززت بعودة مؤسسات الشرعية إلى عدن خلال اليومين الماضيين استعدادا لأداء المجلس الرئاسي اليمين الدستورية أمام مجلس النواب والشروع في ممارسة مهام الدولة.
وكشفت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” عن توافق جميع القوى والمكونات السياسية اليمنية الفاعلة والممثلة في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المنبثقة عن “اتفاق الرياض” على بدء مرحلة جديدة للعمل من داخل الأراضي المحررة وفقا لأجندة سياسية تتمحور حول معالجة الملف الاقتصادي والخدمي والأمني، والتعامل بشكل مختلف مع استحقاقات المسار السياسي بحسب خطة تقوم على وضع التسوية مع الحوثيين كخيار استراتيجي يلبي مطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة، والاستعداد لخيار الحسم العسكري وفقا للمعطيات الجديدة التي تمنح الشرعية أفضلية في مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
ويؤكد مراقبون أن مشاورات الرياض مثلت بداية القطيعة مع أساليب إدارة الشرعية ومؤسساتها على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي والأمني، وهو ما يتطلب في المقام الأول وجود تلك المؤسسات بكامل قوامها في الداخل، الأمر الذي يعني انتهاء مرحلة إدارة الشرعية من الخارج والخروج من مربع الاسترخاء الذي عاشته قيادات الحكومة اليمنية في السنوات الماضية.
ويرى خبراء في الشأن اليمني أن المرحلة القادمة ستشهد تحولات كبيرة في مسار الأزمة اليمنية التي صارت تتأرجح بين تحقيق تسوية هشة وبين تجدد خيار الحسم العسكري في حال استنفدت الشرعية ودول الإقليم كل خيارات الحل السياسي مع الحوثيين، وهو ما يتطلب وجود شرعية يمنية متماسكة تعكس ثقل الأطراف الفاعلة على الأرض والقادرة على تحريك الشارع وحشده ومجابهة الميليشيات الحوثية عسكريّا.
طريق المجلس الرئاسي اليمني الجديد ومؤسسات الشرعية العائدة إلى الداخل بصورة نهائية لن يكون مفروشا بالورود
وتشير مصادر مطلعة إلى أن طريق المجلس الرئاسي اليمني الجديد ومؤسسات الشرعية العائدة إلى الداخل بصورة نهائية لن يكون مفروشا بالورود؛ حيث تنتظرهما جملة من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، تأتي في مقدمتها التحركات الحوثية المتناسقة مع التيار القطري الذي عمل في الأيام الماضية على التشكيك في شرعية عملية انتقال السلطة، واستخدام أصوات من داخل الشرعية تتبع هذا التيار لإطلاق تصريحات مثيرة للجدل حول مصير الرئيس المتخلي هادي.
وقالت مصادر يمنية مطلعة لـ”العرب” إن “الحملة الإعلامية في بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية حول طبيعة انتقال السلطة إلى المجلس الرئاسي الجديد ومصير الرئيس السابق هادي، مصدرها بعض المحسوبين على التيار القطري داخل الشرعية وخارجها الذين عملوا على تسويق أخبار تشكك في شرعية انتقال السلطة، وفي مقدمة هؤلاء القيادية الإخوانية توكل كرمان وحتى بعض المسؤولين في الشرعية المنتمين إلى هذا التيار الذين عملوا على إطلاق تصريحات تفيد بأن هادي أُجبر على توقيع الإعلان الدستوري وأنه قيد الإقامة الجبرية في مقر إقامته بالرياض”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأحد أن السعودية دفعت هادي إلى التنحي عن منصبه في وقت سابق هذا الشهر وأن مسؤولين احتجزوه في منزله بالرياض وقيدوا اتصالاته.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين ويمنيين لم تسمّهم أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أعطى هادي مرسوما كتابيا بتفويض صلاحياته إلى المجلس الذي يتألف من ثمانية ممثلين عن مجموعات يمنية مختلفة.
وقال مسؤول سعودي للصحيفة إن هادي تم تشجيعه على الاستقالة لأن فصائل يمنية مختلفة فقدت الثقة في قدرته على قيادة البلاد.
وأشارت مصادر “العرب” إلى أن التيار القطري كان يستفيد من حالة ضعف الشرعية وارتهان قراراتها لطرف بعينه وفصلها عن المكونات التي تمثل الثقل الشعبي والعسكري في الداخل، وهو الخلل الذي تمت معالجته في مشاورات الرياض بتوافق كافة القوى اليمنية وبدعم من التحالف العربي الذي لعب دورا حاسما في إنجاح مشاورات الرياض وصنع التحول الكبير في مسار الشرعية بإخراجها من مربع الضعف الذي لازمها خلال السنوات السبع الماضية وتسبب في إطالة أمد الحرب ونقل الخطر الحوثي من الإطار اليمني إلى استهداف دول الجوار.
وفي هذا السياق أكدت مصادر يمنية مقربة من هادي لـ”العرب” أن الرئيس المتخلي مازال يلتقي في قصر الناصرية بالعاصمة السعودية الرياض بعدد قليل من أفراد الدائرة الضيقة الذين كان يلتقي بهم في السابق، وأنه هو الذي يمتلك قرار استقبال الراغبين في زيارته حتى اليوم.
وحذر مراقبون من استمرار سياسة التشكيك في شرعية المجلس الرئاسي الجديد التي ينتهجها تيار يسعى لتعزيز موقف الحوثيين السياسي والعسكري، كما حذروا من مخطط حوثي متوقع لإغراق عدن والمناطق المحررة بشبكات متخصصة في تنفيذ الاغتيالات وعمليات التفجير وتفخيخ السيارات بالتزامن مع عودة مؤسسات الشرعية إلى الداخل.