رفعت تصريحات وزير الخارجية العماني بدر بن حمود البوسعيدي منسوب التفاؤل بشأن عودة مفاوضات السلام بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، وبعد أيام من نبرة متشائمة في أول إحاطة قدمها المبعوث الأممي الخاص لليمن هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن.
وأعلنت وزارة الخارجية العمانية عن اقتراب استئناف المحادثات السياسية بين الأطراف اليمنية، مشيرة إلى أنها تعمل على مساعدة اليمن للوصول إلى الاستقرار، في وقت يواصل المتمردون الحوثيون هجماتهم على مدينة مأرب الاستراتيجية للسيطرة عليها كورقة ضغط في أي مفاوضات سلام مع الحكومة اليمنية.
وقال البوسعيدي في تصريحات تلفزيونية إن سلطنة عمان تسعى إلى تقريب وجهات النظر في الأزمة اليمنية، مؤكدا أن دور بلاده في الأزمة هو المساعدة، وأن الحوثيين لم يرفضوا الجهود العمانية.
وعبر عن قناعته القوية بوقف الحرب اليمنية ودفع المسار السياسي، معتبرا أن من واجب بلاده مساعدة اليمن على الاستقرار.
وأضاف في تصريحات لقناة العربية “نحن قاب قوسين من دفع العملية السياسية اليمنية”.
ويأتي تصريح وزير الخارجية العماني بعد ساعات من تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال مؤتمر صحافي مع نظيره النمساوي ألكسندر شالينبرغ في الرياض الأحد، أكد فيه أن الحوثيين يرفضون وقف إطلاق النار.
وشهد الموقف العماني بعد اعتلاء السلطان هيثم بن طارق سدة الحكم في سلطنة عمان خلفا للسلطان قابوس بن سعيد، تحولا حذرا من ناحية لعب دور معلن في الملف اليمني، تمثل في إرسال وفد أمني إلى صنعاء في محاولة لإقناع الحوثيين بالقبول بالخطة التي أعدها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث، والتي كشفت مصادر مطلعة لـ”العرب” آنذاك عن فشلها.
وقالت مصادر سياسية عمانية إن السلطنة تقوم، بالتوازي مع تحركها في الملف اليمني، بجهود لتقريب وجهات النظر السعودية – الإيرانية، حيث تمثل طهران الداعم والمحرض الأول للحوثيين.
وعبّر مصدر سياسي عماني في تصريح لـ”العرب” عن تفاؤله بأن تتكلل جهود بلاده بحل الملف اليمني على صعوبته، مشددا على أن الأمر سيأخذ بعض الوقت.
ولفت وزير الخارجية العماني إلى وجود “تنسيق مستمر وجيد وإيجابي”، مع المبعوثين الأميركي تيم ليندركينغ والأممي غروندبرغ، موضحا أن هناك تطابقا في وجهات النظر حول ما يجب فعله، ما يشكل عاملا مساعدا على حلحلة العقد.
ويسعى المبعوث الأممي إلى زيارة السعودية وسلطنة عمان خلال أيام للاجتماع بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في مقر إقامته في الرياض والالتقاء بالناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام في مسقط.
ومهد غروندبرغ لزيارته إلى المنطقة بلقاء مع محمد بن عوض الحسان مندوب سلطنة عمان الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك.
والجمعة الماضية أكد المبعوث الأممي أن أطراف النزاع لم تناقش أي تسوية سلمية شاملة منذ عام 2016 مما تسبب في خسائر بشرية كبيرة واستمرار معاناة اليمنيين العالقين في حالة الحرب منذ ست سنوات.
وقال في إحاطته الأولى لمجلس الأمن إن عملية السلام في اليمن متوقفة منذ فترة طويلة، مطالبا أطراف النزاع بالانخراط في حوار سلمي مع الأمم المتحدة ومع بعضها البعض بشأن شروط التسوية من دون شروط مسبقة.
وسبق وأن التقى وفد أمني عماني زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في صعدة في وساطة لم تسفر عن تقدم يذكر في مسار المفاوضات. إلا أن تصريحات وزير الخارجية العماني الجديدة تؤكد أن وساطة مسقط لم تمت ومازالت متحركة خصوصا مع الحماس المنتظر من المبعوث الأممي الجديد.
وتسيطر حالة من الضبابية على الملف اليمني في أعقاب فشل الجهود الأممية والدولية في تمرير خطة لوقف إطلاق النار في اليمن شبيهة باتفاق ستوكهولم، الذي نجح في وقف الحرب بين قوات المقاومة المشتركة والميليشيات الحوثية على الرغم من استمرار الاشتباكات المتقطعة بين الطرفين والتي لم تتوقف منذ التوقيع على الاتفاق في العام 2018.
ولم تشهد باقي بنود تلك الاتفاقية أي تقدم يذكر في مؤشر على انتفاء الأطراف الموقعة عليها ما يناسب أجنداتها من بنود وتجاهل الأخرى التي تتطلب تقديم تنازلات، وهي المعضلة التي يؤكد خبراء أنها ترافق معظم الاتفاقيات اليمنية وتعيق تنفيذها كما هو الحال مع اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وعبرت الصحافية هيلين لاكنر المتخصصة بالشأن اليمني عن اعتقادها أن المحاولة العمانية في الوقت الحالي هي أكثر المبادرات التي رأتها إيجابية منذ سنة 2016.
وترى لاكنر التي تعيش في اليمن منذ ما يقرب من خمسة عشر عاما، في الدور العماني بارقة أمل، نظرا للجهود العلنية التي باتت تلعبها مسقط في استثمار علاقاتها الجيدة بالحوثيين لتحفيزهم على التعاطي بمرونة مع الخطة الأممية لوقف إطلاق النار والمبادرة السعودية للسلام في اليمن، مؤكدة على وجود سمات سياسية تميز الدور العماني، الذي قالت إنه امتداد “لسياسة حياد عامة في جميع أنحاء العالم”.
غير أن المتابعين للملف اليمني يؤكدون أن الوقت لا يزال مبكرا أمام أي تسوية سياسية، في الوقت الذي تتفاعل فيه حمى الصراعات على الأرض ويسعى كل طرف لتعزيز وجوده، بينما يجري التباحث في كواليس الدبلوماسية الإقليمية والدولية عن صيغة جديدة تلبي احتياجات كل الفاعلين في الملف اليمني بما في ذلك إيران والسعودية وسلطنة عمان التي تتعاطى مع مخاوف واحتياجات أمنها القومي وحدودها الجيوسياسية.
ومن خلال استضافتها وفدَ المفاوضات الحوثي تحولت العاصمة العمانية إلى مركز رئيسي للمباحثات بين الأطراف الإقليمية والدولية من جهة وبين الحوثيين من جهة ثانية. كما شهدت لقاءات ثنائية غير معلنة بين ممثلين عن الإدارة الأميركية والحوثيين.
وعملت مسقط على تنسيق لقاءات على مستوى منخفض بين التحالف العربي والحوثيين، إضافة إلى تنظيم سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين دوليين وغربيين وبين الوفد الحوثي آخرها اللقاء الذي ضم المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ والوفد التفاوضي الحوثي برئاسة محمد عبدالسلام الذي استلم نسخة من المبادرة الأميركية للحل في اليمن.