الحب من طرف واحد.. هكذا يمكن توصيف العلاقة بين الإخوان المسلمين، فرع اليمن، والمملكة العربية السعودية، التي أثبتت أنها أكثر وفاءً لإخوان اليمن منذ نصف قرن.
لم يبادل إخوان اليمن الرياض الوفاء على دعمها لهم طيلة العقود السابقة واحتضانها قياداتهم قبل عام 90م وحتى بعد عام 2014م.. لكنهم كانوا صادقين في التنكر لها ولخدماتها الكبيرة لهم والتي يمكن اعتبارها تمثل حضوراً مركزياً في تنامي قوة التنظيم.
حزب الإصلاح، هو الاسم لفرع الإخوان في اليمن أو الذراع السياسي للفرع، وهو صاحب الحضور الأكبر في قرار ونفوذ الشرعية، وصاحب الوجود الأقوى في الجيش من حيث السيطرة على المناصب القيادية، غير أن هذا النفوذ منذ بدايات حرب التحالف والشرعية ضد الحوثيين شكل عائقاً أمام انتصار السعودية أو تحقيقها نصراً ضد خصمها العتيق إيران.
لم يخفِ الإخوان خصومتهم ومجاهرتهم بالعداء للرياض والنزوع إلى بناء علاقات صريحة معادية للرياض بعد خروج قطر من التحالف وتشكيلها تحالفا ثلاثيا مع تركيا والإخوان المسلمين في اليمن والعالم.
فتح الإخوان معارك جانبية، وشنوا حملات بلا هوادة لشيطنة التحالف الذي تقوده الرياض، وكان التكتيك بداية هو استهداف الإمارات وبعض الود يبقى للمملكة، وحين غادرت الإمارات وقواتها اليمن خرج الإخوان صراحة يطالبون بتحالف إسلامي يضم إلى جانب الرياض تركيا وقطر.
تفرعت حملات الإخوان إلى أجنحة كثيرة، غير أن جميع تحركاتها تصب في مجرى واحد يستهدف الرياض ومعركتها في اليمن، وكان مبرر الإخوان، دوماً، أنه بمجرد القضاء على الحوثيين سيتفرغ التحالف للتخلص من الإخوان، وهذا التبرير هو الذي ساقه الإخوان وروجوه ضد المملكة، كونها تقود التحالف.
في المهرة يعتبر الإخوان، أو جناح منهم، الوجود العسكري السعودي احتلالاً، ويعملون مع سلطنة عمان لتحرير المهرة، حسب خطابهم المعلن، بينما في مأرب يعتبر جناح آخر الدور السعودي ضد الحوثيين عروبيا وإسلاميا وموقفا يستحق التقدير.
يرى الإخوان أن إغراق الرياض في مستنقع اليمن يتمثل بتمكين الحوثيين من السيطرة وتسليمهم مساحات جديدة ذات جغرافيا مشتركة مع المملكة، وكانت الجوف وبعدها مأرب هي الثمن المدفوع لهكذا مؤامرة، ومن أجل تمرير البيعة ذهبت نهم وخسر التحالف والشرعية تواجداً على مشارف صنعاء.
ما يسعى إليه الإخوان وما يطلبونه من الرياض مقابل وقف ابتزازها ثمنه يتجاوز قدرة الرياض على دفعه، وإقدام السعودية على ذلك يفتح أبواب الخراب في كل اليمن، وحينها تصبح مهمة مليشيات الحوثي وإيران يسيرة لابتلاع ما تحرر من محافظات اليمن.
هذا الثمن هو إعلان الرياض الحرب على المجلس الانتقالي، وتسليم الجنوب للإخوان، وتفكيك قوات الساحل المشتركة وإلحاقها بوزارة دفاع الشرعية، أي تحت سيطرة الجنرال علي محسن، وبذلك تتحول إلى قوة سيتم توجيهها ضد الجنوب.
سلم الإخوان الشمال أو استسلموا لبقائه تحت سيطرة المليشيات الحوثية وفخخوا كل الجهود التي تهدف لتوحيد الجهد العسكري لمحاربة الحوثيين، واتفاق الرياض كان آخر جهد في هذا الجانب.
وفي زحمة كل هذه الفوضى التي يصنعها الإخوان تقف الرياض ضحية ابتزاز وقلة وفاء وانعدام مسؤولية من قبل حلفائهم الذين كان وفاء المملكة لهم كبيراً سواءً كحلفاء سابقين أو كمكون ضمن مكونات بلد يتواجد في الجوار وقوة لا يستهان بها سياسياً في هذا البلد.
ربما أحد عيوب الرياض أنها لا ترى في الميدان مكونات لها قوة وحضور وبإمكانها أن تشكل حليفاً موثوقاً على قاعدة المصلحة المشتركة للبلدين، وإصرار الجانب السعودي على المضي في مسار يسلكه الإخوان لصنع عثرات للمملكة وحضورها وحربها وأمنها القومي يعد إسهاماً في تعقيد خيارات الخلاص من مستنقع المليشيات الإخوانية الحوثية على حد سواء.