يشهد اليمن موجة جديدة من التصعيد العسكري، وذلك في مسار معاكس لمزاج التهدئة الذي أشاعه تحمّس إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإيجاد حلّ سلمي للصراع الدامي في البلد وتجاوبت معه المملكة العربية السعودية بعرضها وقفا شاملا لإطلاق النار لم يستجب له المتمرّدون الحوثيون المرتبطون في قراراتهم بإيران وصراعاتها على النفوذ.
وارتبطت العودة الملحوظة للتصعيد العسكري في اليمن بتعثر الجهود الأممية والدولية الرامية لوقف الحرب المستمرة منذ نحو سبع سنوات. وعلى الرغم من تكثيف الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها الأمم المتحدة وبعض الدول الفاعلة في الملف اليمني مثل الولايات المتحدة، إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم في حل الأزمة.
رخاوة المواقف الدولية والأممية إزاء ما يجري في اليمن ضمن عوامل الفشل في إطلاق عملية سلام جادة
ولم يتم الاتفاق على أي آلية لجعل الحكومة والحوثيين ينخرطان في مفاوضات تمهيدا لصنع اتفاق ينهي الأزمة بشكل سلمي، أو الاتفاق على آلية لفتح مطار صنعاء الدولي وتسليم مرتبات موظفي الدولة وتدفق الوقود.
ومنذ مطلع العام الجاري كثف المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث من تحركاته الدبلوماسية بغرض إقناع أطراف الصراع بوقف إطلاق النار، تمهيدا للدخول في مفاوضات حل الأزمة.
لكن هذه التحركات اصطدمت بتباين وجهات النظر بين الحكومة والحوثيين ما جعل المبعوث الأممي يعرب عن أسفه لعدم التوصل لاتفاق، رغم الجولات الدبلوماسية المتكررة.
مارتن غريفيث: رغم استمرار نقاشاتنا لما يزيد عن عام لكننا للأسف لسنا حيث نود أن نكون في ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق
والأربعاء الماضي قال غريفيث في بيان إنه “رغم استمرار نقاشاتنا لما يزيد عن عام لكننا للأسف لسنا حيث نود أن نكون في ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق. وفي الوقت نفسه استمرت الحرب بلا هوادة وتسببت في معاناة هائلة للمدنيين”.
وجاء بيان غريفيث بعد اختتامه جولة مشاورات استمرت أسبوعا في السعودية وسلطنة عمان والأردن، أخفقت كلها في إحراز أي تقدم. وعلى الرغم من ذهاب المبعوث الأممي إلى السلطنة من أجل لقاء وفد الحوثيين المفاوض المقيم هناك، إلا أن الأخير رفض لقاءه.
وأثار ذلك انزعاج الولايات المتحدة التي سعت منذ أشهر عبر مبعوثها الخاص لليمن تيم ليندركينغ من أجل التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة اليمنية. وفي السابع من مايو الجاري قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الحوثيين فوّتوا فرصة كبرى لإظهار التزامهم بالسلام برفضهم لقاء المبعوث الأممي في مسقط.
وحمّلت الوزارة في بيان جماعة الحوثي مسؤولية تفاقم المعاناة الإنسانية في البلاد، بمواصلة هجومها على محافظة مأرب شرقي اليمن. فيما أبلغ غريفيث مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي بعدم قدرته على إجبار أطراف النزاع اليمني على التفاوض.
ويرى مراقبون أن رفض لقاء المبعوث الأممي من قبل الحوثيين شكل عقبة حقيقية أمام المساعي الدولية الرامية لوقف الحرب ما قد يؤدي إلى استمرار المسار العسكري، الذي يسبب معاناة كبيرة بالبلاد.
ويرفض الحوثيون لقاء المبعوث الأممي بعد اتهامه بأنه منحاز للتحالف العربي بقيادة السعودية وأنه يمثل غطاء لما يصفونه بـ”العدوان والحصار” على اليمن، وهو ما ينفيه غريفيث.
وهذا الموقف الحوثي المتصلب جعل المبعوث الأميركي يصرح الثلاثاء الماضي بأن مستقبل اليمن بات محتجزا كرهينة لدى الحوثيين، مشددا على ضرورة انخراط الجماعة في الحوار.
الحوثيون هاجموا مواقع للجيش اليمني ما أسفر عن مقتل نحو عشرة من أفراد القوات الحكومية بينهم ضباط
وفتح الإخفاق في الجهود الدبلوماسية الباب لتصاعد العمليات العسكرية في اليمن رغم الدعوات الأممية والدولية المتكررة بضرورة ضبط النفس.
وفي أول أيام عيد الفطر أعلن التحالف العربي اعتراض وتدمير ثماني طائرات مسيرة وثلاثة صواريخ باليستية أطلقت من قبل الحوثيين تجاه السعودية. وفي اليوم ذاته تجددت المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في عدة جبهات بمحافظة تعز بجنوب غرب اليمن، بعد هدوء نسبي استمر أسابيع.
وهاجم الحوثيون مواقع للجيش اليمني ما أسفر عن مقتل نحو عشرة من أفراد القوات الحكومية بينهم ضباط، فيما سقط العشرات من الحوثيين بين قتلى وجرحى. كما استمرت المعارك في عدة محافظات أبرزها مأرب شرقي العاصمة صنعاء والحديدة الواقعة على الساحل الغربي رغم الهدنة المتفق عليها برعاية أممية في المحافظة الأخيرة.
ورغم مسؤولية أطراف الصراع في اليمن على مواصلة الحرب وتصعيدها، يرى البعض أن رخاوة المواقف الدولية والأممية إزاء ما يجري تساهم في تأخير السلام. وقال المحلل السياسي اليمني يعقوب العتواني إنّ “آخر محاولات المبعوث الأممي غريفيث في مسقط كشفت العيب الجوهري للجهود الأممية لإيقاف إطلاق النار في اليمن”.
ولفت إلى أنّ “الحوثيين تابعوا رفضهم التجاوب مع الجهود الدبلوماسية، فيما لم يظهر في المقابل إن كان تعنتهم هذا سيعود عليهم بأي نوع من الضغط الدولي والأممي الحقيقي”، مضيفا “السلام في اليمن مرهون بامتلاك اليمنيين والقوى الدولية المنادية بإيقاف الحرب أوراق ضغط فعالة ضد الحوثيين”، معتبرا في الوقت ذاته أنّ “الوضع مرشح للتصعيد بشكل عام وأنّ الحل الدبلوماسي لا يزال مستبعدا”.
التحركات الأممية اصطدمت بتباين وجهات النظر بين الحكومة والحوثيين ما جعل المبعوث الأممي يعرب عن أسفه لعدم التوصل لاتفاق
أما الصحافي اليمني محمد عبدالملك فيذهب حدّ التشكيك في وجود رغبة حقيقية لدى المجتمع الدولي لإنهاء الحرب في اليمن قائلا لوكالة الأناضول إنّ “الكثير من الوعود الدولية اتضح أنها لم تتعد الإعلام وأنها مبنية على حسابات المصالح مع الدول المشاركة في حرب اليمن”.
كما وجه نقده لدبلوماسية الحكومة اليمنية التي وصفها بالعاجزة عن إقناع المجتمع الدولي برؤيتها وبأن بها خللا اتّضح مع تغيير ثلاثة وزراء خارجية منذ بدء الحرب، متوقّعا أن “مسار الأزمة يتجه إلى التصعيد دون وجود أي أمل قريب بانفراجة سياسية تحقق السلام”.