كتب: وضاح اليافعي:
منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر وفرقاء الشرعية انصارا واتباع، قيادات ومكونات، قبائل وأحزاب وجماعات، يقبعون في فندق الريتز الشهير بمدينة الرياض، في مشهد محير، مؤلم ومثير، حيث يرى المتابع امامه صورة واضحة للانحدار السياسي والفكري وموت الضمائر وتلبس التحزب والانتماء، وجوه عابسة وعقول خاويه ، نفوس وأجساد انهكتها امراض السياسة والطبيعة على السواء ، كهول وشيوخ وشباب ، ساسة ومشايخ ، اختاروا لأنفسهم قبل ان تضعهم الظروف والاقدار في بهو الفندق ، لحضور حفلة ماراثونية اسمها وعنوانها تشكيل حكومة الكفاءات وتنفيذ اتفاق الرياض ، في حين ان الواقع يؤكد ان هذا للفيف الذي تم تجميعه بطريقة غريبة ، في خليط مبتكر لم تعهده مدارس ودهاليز السياسة وتسوية الخلافات والصراعات في اليمن ،مجرد دمى متحركة صامته او ناطقه ، ليس لها علاقة مؤثره باي قرار ، حال معظمهم اقرب الى شهود الزور، أمثال مستشارو رئيس الجمهورية الذين لم يتمكنوا منذ شهور من مقابلة فخامته الا بالأمس وهو على بعد امتار منهم ، وممثلين تم استجلابهم جهويا لأرباك التركيب الحزبي والسياسي ، وخلط الهويات ووضعها في مواجهة بعضها البعض ، لإنتاج واقع جديد بحيث لا يكون هناك تمثيل لجنوب او شمال. وكل جماعة تظن انها قد امسكت بمفاصل الدولة المتهالكة او وضعت لها موطئ قدم فيها، لتحافظ على ارث سلطوي مقيت، يعيد النفايات ويكررها بذات الطريقة التي عهدها الشعب المغلوب لعقود عند كل تحول او صراع ومصالحة بين اعداءه الفعليين المتمسكين بلب السلطة وذيولها لنهب خيرات البلاد على شحتها وندرتها.
في بهو الفندق واجنحته كما يروى ، يتحاكى فرسان السياسية بالوهم، من بقايا عهود النكبات التي حلت باليمن ، شركاء الخراب والدمار ، خبراء التقلب والتلون السياسي وفنون الارتهان للحاكم أي كان مبداه ونوعه ومنهجه، نماذج من الاتباع الخلص للرئيس للرؤساء تتجلى فيهم صورة مكررة للانتهازية وفنونها ، وجدوا انفسهم كاليتامى التائهين في سفينة هادي التي لم تبحر او تغرق بل تتمايل مع الرياح يمينا وشمالا ، لا يدري احد منهم اين وجهتها، ودون خجل او وجل من ماضيهم الأسود وتاريخهم المتوج بالتأمر، اتى نفر من القوم ليمارسوا الدور القيادي للمؤتمر المندثر ، المبعثرة اشلائه بين صنعاء والقاهرة وابوظبي والرياض ومسقط ، ويتخفى بالقرب منهم كهنة متربصين بحصافة المجربين المهادنين والمستكينين لعلهم يظفروا بحصة من الفريسة التائهة، وفي زوايا السفينة يتكئ بعض الساسة المعتقين ،امناء عامون وممثلين للأحزاب وشخصيات اجتماعية و سياسية ، يكسو غبار الدهر جلودهم ،يذكرهم بمن سبقهم من صناع النكبات وحفرة القبور، ، ومنهم من لأحول القوة لهم في اتخاذ القرار، اما الانتقاليون الجدد وبالحفاوة التي رأوها ولم يألفوها بمظاهرها السلطوية ، لم ينجو من الغرق في المستنقع الكبير، اشعرتهم السلطة بنشوة عظيمة لفتحهم أبواب القسطنطينية، مخلفين قضية الجنوب وراء هم ، بعد ان اصبحوا مجرد مكون غًنٍم بضعة وزارات ويشاركهم في تمثيل الجنوب أحزاب ومحافظات قرر الراعي فرضهم ، لمنع احتكار حق التمثيل ولتسهيل مهمة التفكيك الجهوي في الخطوة الثانية وسحب بساط القضية من تحت اقدامهم.
في ظل هذا المشهد المحزن، يظهر الرئيس هادي براعة استثنائية في فنون المماطلة والتسويف، والقدرة على التحمل والتجاهل، فالزمن بالنسبة له يمر كالطيف، السنة بيوم والشهور بساعات، لا يضع حسابا للمتغيرات، البراكين والزلازل، بالنسبة له مجرد نسمة ريح عابره، في مجتمع تحكمه الصراعات والنكبات الازلية منذ قرون، حير التحالف والمملكة والعالم معها، بتمسكه بمفتاح الشرعية واركانها، وأصبحت هذه الشرعية لغزا سياسيا وقانونيا عصيا على التفكيك.
للمملكة وحدها، وهي من ابتدع مفهوم وتأصيل الشرعية واستعادتها ، حق اسدال الستار على هذا المشهد العبثي، فهي تدفع الثمن غاليا وتدرك مدى الخذلان الذي لحق بها ومعها دول من تحالف دعم الشرعية، فست سنوات تكفي على الصبر والمجاملة والمداهنة، ولم يعود هناك متسع من الوقت لإضاعته ، تنفيذ الاتفاق اصبح ضرورة ملحه ليس للانتصار الحاسم على الانقلابيين الحوثيين ومواجهتهم بل لوقف تمددهم ومنع سيطرتهم على مناطق جديدة وتغيير موازين القوى على الأرض بتحرير الحديدة و تعز واب والبيضاء، واستعادة المناطق التي خسرتها الشرعية في الجوف ومارب . وبالتالي التعامل مع أي خطوات للحل السياسي وتحقيق السلام بعد ان تكون الشرعية قد صححت أوضاعها وحققت مكتسبات جديدة على الصعيدين الميداني والسياسي وقبل فوات الاوان.