القضية الجنوبية وحكومة الكفاءات*
د. عيدروس نصر
انشغل الوسط السياسي والإعلامي (الرسمي والشعبي) بقضية تشكيل حكومة الكفاءات اليمنية التي نص عليها اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي منذ عامٍ خلا، وأخذ موضوع تقاسم الوزارات المساحة الأكبر في نشاط المنابر الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي ونسي الجميع المواجهات مع الطرف الانقلابي ومعاناة المواطنين جراء غياب الخدمات وتأخر صرف المرتبات وأعمال التخريب والتهريب وسواها، حتى بدا الأمر وكأن تقاسم المناصب وتوزيع الحصص هو العصا السحرية التي ستحل كل مشاكل البلد وتقيحاتها المتفجرة وأزماتها المتشعبة بضربة لازب، أو كأن الكيان السياسي الذي سيظفر بحصة أكثر من سواه من هذه الوزارات سيفوز بمنجم الذهب والألماز لينعم به هو وأعضاؤه، وهي ظاهرة تشير إلى مستوى تسطيح الوعي السياسي وانحدار مستوى الاهتمام بالقضايا الجادة والمصيرية الكبرى مقابل التركيز على قشور القضايا وسطحياتها، والأخطر من هذا أن هذا الصخب الإعلامي يبين مستوى تهافت القوى السياسية على المناصب والألقاب من منطلق الاستحواذ لا من منطلق الرغبة في تحمل المسؤولية وتهيب تحدياتها والخوف من المساءلة والمحاسبة، لا من قبل الشعب الذي سيتحمل الوزراء المسؤولية عن مصيره، ولا من قبل أجهزة النيابة والمراقبة والمحاسبة (المغيبة) التي يفترض أنها حامية الحق العام وحارسة القانون والحريص على تنفيذه.
* * *
بدأ الصخب والتباكي وبدأ التفاخر والتباهي، وبدأ التنابز والتهكم من قبل الكثيرين وقد قرأت منشورا لطبيب يمني مغترب محسوب على أحد الأطراف السياسية المهيمنة على الشرعية، يتباكى على حزبه ومصيره بعد تشكيل الحكومة ويتهم الرئيس بأنه باع الحزب وأسلم مصيره للمجهول، فقط لأن حصة الحزب في الحكومة ستنخفض إلى أقل مما كانت عليه قبل التشكيل المفترض لحكومة الكفاءات، وصحفي آخر راح يلعن المجلس الانتقالي (الذي أسماه بـ”الانفصاليين”) لأنه حرم الجنوب من 80% من الوزراء كان الجنوب يحوزهم قبل اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة المرتقب، وكأن هذا العدد من الوزراء قد وضع الجنوب على أبواب الفردوس وجاء (الانفصاليون) ليحرموا الحنوب من الولوج إلى هذا الفردوس.
* * *
سألني أحد الإعلاميين من هواة التصيد وتفخيخ التساؤلات: هل ضحى الشعب الجنوبي بهذا العدد من الشهداء وخاض كل هذه النضالات على مدى ربع قرن، من أجل أن تحصلوا على أربع أو ست وزارت؟ وهل بعتم القضية الجنوبية مقابل هذه الستة المناصب؟
كنت أعرف أن السائل يعرف الحقيقة وأنه يتعمد تسطيح القضية التي يناقشها، لكنني قلت له ما كررته مئات المرات منذ العام 207م، إن ثورة الشعب الجنوبي لم تكن من أجل رئيس جنوبي أو نصف الوزراء ولا حتى كل الوزراء من الجنوبيين، فما بالنا والأمر يتعلق بستة وزراء أو حتى أثني عشر وزيرا جنوبياً.
ومن أجل إزالة الغبار والضباب الذي يثيره البعض تعمداً لتشويه قضية الجنوب ومعها تشويه الموقف السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي في ظل اتفاق الرياض لا بد من تأكيد الحقائق التالية التي سبق التعرض لبعضها عشرات المرات:
· إن المطلب الأساسي الذي طرحه الشعب الجنوبي منذ انطلاق ثورته السلمية ثم مقاومته المسلحة، هو استعادة الدولة الجنوبية بحدود الواحد والعشرين من مايو 990م، وإن أية اتفاقيات أو مساومات أو شراكات تقام هنا وهناك في إطار العمل ضمن التحالف العربي لمواجهة المشروع الإيراني في اليمن لا يمكن أن تلغي الهدف الأساسي للثورة الجنوبية المشار إليه سلفاً.
· إن اتفاق الرياض ليس إطارا لحل القضية الجنوبية ولكنه اتفاق مصالحة بين الشعب الجنوبي والسلطة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي كان الهدف منه:
1. تهدئة الأوضاع في نقاط التماس بعد أن تعمدت بعض الأجنحة المتطرفة من المحسوبين على الشرعية إشعالها بهدف إسقاط العاصمة عدن بدلا من تحرير العاصمة اليمنية صنعاء.
2. تطبيع الحياة في عدن وبقية محافظات الجنوب، وتوفير الخدمات الأساسية التي عبث بها الفاسدون ودمروها في إطار مواصلة الحرب على الجنوب من باب الخدمات.
3. مواصلة الشراكة مع التحالف العربي في توجيه الطاقات باتجاه إسقاط المشروع الحوثي بدلا من الحرب على الجنوب التي لا تخدم إلا خصوم العرب ومشاريعهم التوسعية.
· إن المجلس الانتقالي قد حرص طوال فترة المشاورات في جدة والرياض على التمسك بحق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره المستقل واستعادة دولته بحدود 1990م ولم يقبل الخوض في أي حديث لا عن المرجعيات التي لم تتناول القضية الجنوبية لا من قريب ولا من بعيد، ولا عن أية مفاهيم من تلك العبارات الزئبقية التي تحمل في مضمونها شطب القضية الجنوبية.
· إن تشكيل حكومة الكفاءات ليست سوى إجراء مرحلي مرتبط نجاخة بنجاح الحكومة في الاضطلاع بمهماتها المرحلية وفي مقدمتها توفير الخدمات الأساسية وحفظ الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة، الجنوبية والشمالية، واسترجاع العاصمة صنعاء وهزيمة المشروع الإيراني وتلك الأخيرة مهمة مناطة بشكل أساسي بالقوى السياسية الشمالية وبالقوات التي يفترض أنها “الجيش الوطني” الشرعي وسيكون الجنوبيون عونا لهم وقد برهنوا على هذا في الكثير من المواقف والمواجهات وما يزالون.
· إن المجلس الانتقالي الجنوبي لا يعمل كطرفٍ منفرد أو كهيئة نقابية مطلبية بمعزل عن الشركاء المؤثرين والمتأثرين بالمشهد السياسي اليمني والإقليمي، بل إنه طرف سياسي مشارك في تحالف عربي عريض وهذا التحالف يقر بوجود المجلس وبوجود قضية جنوبية تستحق الحل العادل والمشروع، وبالتالي فإن مواقف المجلس تقتضي الاتساق مع مواقف شركائنا في التحالف العربي خصوصا إذا ما نجحت حكومة الكفاءات في توفير الخدمات وحفظ الأمن والاستقرار وتيسير الحياة المعيشية للمواطنين في محافظات الجنوب.
وباختصار شديد فإن كل التكتيكات والتحالفات والاتفاقات والشراكات في أية مشاريع في إطار التحالف العربي، لا يمكن أن تلغي القضية الجنوبية ولا أن تحل محل هدف الجنوبيين المعلن للقاصي والداني والمتمثل في استعادة دولتهم وتقرير مصيرهم المستقبلي بلا وصاية من أحد ولا تبعية لأحد ولا استئذان من أحد إلا من الشعب الجنوبي وحده صاحب الشأن والقرار في كل ما يتعلق بمستقبل أجياله المتطلعة للحرية والكرامة والاستقرار والازدهار والنهوض للحاق بعالم اليوم بكل قيمة الإنسانية النبيلة ومنجزاته العلمية والتكنولوجية والمعاشية لخدمة الإنسان الفرد والمجتمع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على فيس بوك