دخل اليمن بعد حوالي ستّ سنوات من الحرب منعطفا خطرا يهدّد ما بقي من آثار الدولة فيه، ويمسّ مصير شعبه الذي تراجعت طموحاته من تحقيق التنمية والاستقرار والرخّاء، إلى مجرّد توفير ضرورات الحياة وضمان البقاء.
وبحسب منظمة الأمم المتّحدة فإنّ الملايين من اليمنيين أصبحوا رسميا على شفا المجاعة، وفق ما أكّده نيستور أوموهانجي ممثل صندوق السكان التابع للمنظمة في اليمن.
وقال أوموهانجي لوكالة الأناضول إن اليمنيين يعانون أدنى مستويات المناعة وأعلى مستويات الضعف الحاد في العالم وإن 10 ملايين شخص باتوا على بعد خطوة واحدة من المجاعة، مشيرا إلى أنّ ربع السكان يعانون من سوء التغذية والكثير منهم يعانون من سوء تغذية حاد.
وجاءت جائحة كورونا لتمثّل عاملا مضاعفا للأخطار المحدقة باليمن، حيث بلغ عدد المصابين بالفايروس هناك 1826 مصابا و518 حالة وفاة، وذلك في المناطق غير الخاضعة لسيطرة الحوثيين، بينما لا يُعلم الوضع في مناطق سيطرة الجماعة التي تواجه اتهامات بالتستّر على تفشي الفايروس.
ويقول كثيرون إنّ الأرقام المعلن عنها رسميا لا تعكس حقيقة الحالة الوبائية القائمة في اليمن، وإنّ قلةّ عدد الإصابات المسجّلة تعود بالأساس إلى ضعف وسائل اكتشاف الفايروس وقلّة الفحوص التي تجرى للسكان في مختلف مناطق اليمن على حد سواء.
وتكمن الخطورة في قلةّ الوسائل وضعف المقدّرات البشرية والتقنية والمالية المستخدمة في مواجهة الوباء، ما يجعل البلد في حالة أقرب إلى الاستسلام أمام زحفه.
وتسببت الحرب في انهيار شبه تام في كافة القطاعات وخاصة القطاع الصحي، ما يزيد من مخاطر تفشي كورونا الذي يضرب العالم منذ أشهر.
وبشأن هذه المخاطر قال أوموهانجي إنّ الإجراءات الوقائية الأساسية كغسل اليدين ليست خيارا للعديد من اليمنيين، فأكثر من 17 مليون شخص يحتاجون إلى الدعم لتلبية احتياجاتهم الأساسية من المياه والصرف الصحي والنظافة. وحذّر من أنّ النظام الصحي على وشك الانهيار، حيث تعمل نصف المرافق الصحية فقط أو تعمل بشكل جزئي.
وأضاف في ظل هذه المعطيات، فإن عدد من يصابون بالعدوى في اليمن من المحتمل أن يصابوا بها بشكل أكبر وأكثر من أي مكان آخر في العالم، مشدّدا على أنّ مكافحة الفايروس ستكون صعبة ويجب إعطاء هذا الأمر الأولوية القصوى.
ويزيد من تعقيدات النزاع اليمني أن له امتدادات إقليمية ودولية، فإيران تقف بوضوح وراء جماعة الحوثي لتؤمّن لها مدخلا إلى جنوب الجزيرة العربية وإطلالة على المنافذ البحرية الاستراتيجية هناك، وعلى الطرف المقابل شكّلت السعودية منذ 2015 تحالفا عسكريا يدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في مواجهتها مع الحوثيين.
وتؤثّر الأوضاع الصعبة في اليمن بشكل أكبر على الفئات الهشّة ومن بينها النساء اللاّتي قال أوموهانجي عنهنّ إنّهن يعانين من ثلاثية الصراع والمجاعة والكوليرا، ويواجهن الآن كورونا.
وأشار إلى أنّ عشرين بالمئة فقط من النظام الصحي يقدّم خدمات لصحّة الأم والطفل، وأنّ أكثر من مليون امرأة حامل ومرضعة يعانين من سوء التغذية، وأنّ أكثر من تسعة ملايين امرأة وفتاة يحتجن إلى الدعم لتلبية احتياجاتهن الأساسية من المياه والصرف الصحي والنظافة.
واستطرد المسؤول الأممي قائلا مع ذلك ستستمر هؤلاء النساء في إنجاب الأطفال ورعاية أطفالهن، لذلك يجب وضع احتياجات الصحة الإنجابية للمرأة في قلب ومحور الاستجابة لفايروس كورونا باليمن.
وشدّد على أنه يمكن تقليل احتمال الإصابة بكورونا والحدّ من تفشيه باتباع احتياطات بسيطة كغسل اليدين بانتظام والحفاظ على التباعد الاجتماعي والجسدي، والبقاء في المنزل والعزلة حتى مع أعراض طفيفة، كالسعال والصداع والحمى الخفيفة، لحين استعادة العافية.
وفي ما يتعلق بنقص التمويل وتأثيراته على عمليات صندوق الأمم المتحدة للسكان، قال أوموهانجي عندما وصل كورونا إلى اليمن جفّ تمويل خدمات الصحة الإنجابية للصندوق المنقذة للحياة، مما اضطر الصندوق إلى تعليق تقديم خدمات الصحة الإنجابية في 140 من 180 مرفقا صحيا مدعوما، منذ بداية العام.
وذكر أنّه في بداية 2020 تمّ وضع خطة استجابة شاملة لليمن من أجل الوصول إلى 4.1 مليون امرأة وفتاة بخدمات منقذة للحياة وتمّ توجيه مناشدة للحصول على 100.5 مليون دولار، وحتى الآن تم الحصول على 52 بالمئة من التمويل المطلوب. ولفت إلى أنّ استمرار الوصول إلى النساء والفتيات الأكثر ضعفا حتى نهاية العام، يحتاج الصندوق إلى 43 مليون دولار، مع مبلغ إضافي هو 20 مليون دولار للاستجابة لكورونا، الذي أربك النظام الصحي.
وحذّر أوموهانجي من أنّ وقف خدمات الصحة الإنجابية سيؤدي إلى عواقب وخيمة، مؤكّدا أنّه نتيجة للنقص في التمويل، فإن حياة مليوني امرأة وفتاة في سن الإنجاب ستكون في خطر لأنهن سيفقدن إمكانية الحصول على خدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة، وأنّه من المحتمل أن تموت 48 ألف امرأة في اليمن من مضاعفات الحمل والولادة.
كما نبّه إلى أنّ نقص التمويل يعني أيضا أن العاملين في وحدات الصحة الإنجابية وأجنحة الولادة لن يكون لديهم المعدات واللوازم الوقائية الشخصية من العدوى مما يزيد من تعرضهم للخطر وتعرض الأمهات أنفسهن للعدوى.
وحول دور صندوق السكان الأممي في اليمن، قال أوموهانجي إنّ الصندوق هو المستجيب الأول لأزمة كورونا في اليمن نظرا لأن نظام الرعاية الصحية على وشك الانهيار، موضّحا أنّ الصندوق يعمل على توفير المعدات الطبيّة والوقائية المنقذة للحياة بشكل عاجل لمساعدة العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية في إنقاذ الأمهات والأطفال.
وشدّد المسؤول الأممي على أنّ المساعدات الإنسانية ليست الحل لأي أزمة إنسانية في أنحاء العالم، فعملية السلام هي وحدها التي ستوقف معاناة الملايين من الأبرياء.