قلم العميد/ جلال الربيعي
قائد قوات الحزام الأمني
محافظة لحج
في هذا المقال سنحاول أن نستذكر بكل فخر واعتزاز جزء من سيرة الشهيد القائد الذي افتقدته القوات المسلحة الجنوبية، والمقاومة الجنوبية، والجنوب بأسره، فأدمعت عليه الأرض والسماء، وانحنت له شم الجبال هيبة وإجلالاً وإكراماً، وأرثته مدن وقرى الجنوب من أقصاه إلى أقصاه.
سنحاول أن نستذكر جزءاً من سيرة قائدٍ رحل إلى لقاء ربه بعد أن حمل الأمانة بشجاعة، وكفاءة، ونزاهة عالية، رحل نظيف اليد، غنياً بمحبة شعبه، قائداً معطاءاً، رحل بعد أن قدم الكثير والكثير من أجل الجنوب، والثورة الجنوبية، والمقاومة الجنوبية، والقوات المسلحة الجنوبية، رحل بعد أن كتب وسطّر التاريخ في زمن قياسي جداً.
أتحدث هنا عن الشهيد البطل القائد العميد/ منير محمود المشألي “أبواليمامة” رمز المقاومة الجنوبية، ورمز الحرب على الإرهاب، ورمز الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة الجنوبية.
أتحدث عن القائد البطل “أبواليمامة” الذي تمنى الشهادة، وسعى لها، ونال شرفها. أتحدث عن القائد الذي حارب وصال وجال على طول وعرض امتداد الجغرافيا الجنوبية ملبياً كل نداءات الوطن، وشاءت الأقدار أن يستشهد في العاصمة عدن التي ساهم بدور كبير مع رفاقه في إعادة الأمن والإستقرار إليها، والتي بدأ فيها أول مشواره في الحرب على الإرهاب والقضاء عليه.
الحديث عن الشهيد القائد “أبواليمامة” يجعلنا نتطرق في البدء إلى شخصيته القيادية الفذة التي كانت تتحلى بالإقدام والتضحية والبذل والعطاء والتواضع، وحب الناس ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، فقد كان القائد الذي يشارك الناس في كل المناسبات، ويتواجد في مجالس العزاءات وجنازات الشهداء، ومن ثم يعود إلى تفقّد سير العمل في مقر عمله، او لدى قوات المقاومة الجنوبية، ولدى باقي القوات المسلحة الجنوبية، متنقلاً هنا وهناك في الجبهات الداخلية التي تخوض حرباً على الإرهاب ومن اجل ترسيخ دعائم الأمن والإستقرار في محافظات عدن او لحج او ابين، ومتنقلاً بين الجبهات الحدودية التي تخوض معارك الدفاع عن حدود الجنوب وصد غزو وعدوان المليشيات الحوثية في يافع والضالع والمسيمير وكرش ..الخ.
لقد كان -رحمه الله- مثالاً للقائد الذي يحمل سلاحه ويقول “اتبعوني” ولا يقول “أسبقوني”، أنه القائد القدوة لكل من عرفه وحارب معه، ولكل من جمعته معه الدنيا. وحقاً بأن الجيش الذي يحارب قادته في الصفوف الأولى للمعارك لا بد أن ينتصر.
واجه الشهيد القائد “أبواليمامة” بشجاعة نادرة الموت مرات عدة، كيف لا وهو الذي ينتمي إلى مدرسة نضالية عريقة تؤمن بالشهادة أو النصر، وهو الذي كان يردد دوماً: “الذي يخاف الموت فالموت سوف يلحق به، ومن لا يخاف الموت فإن الموت سوف يهرب منه”.
إنه القائد الذي كان يحارب في صفوف الجبهات الأولى، ولم يكن يختبئ خلف الجنود، وليس ممن يبحث عن مناصب أو أوسمة، ولم يكن يتحدث عن نفسه وأنما كان ينسب الفضل لكل الانتصارات إلى جنوده والذين يقاتلون معه في الجبهات، قائلاً: “نحن بدون هؤلاء الجنود لا شيء”.
لم تكن للشهيد القائد “أبواليمامة” طموح شخصية أنانية، بل كان جل حلمه وطموحه يتمثل في ان يرى الجنوب مستقلاً ومحرراً وآمناً من عبث المليشيات والعصابات، والقضاء على المليشيات والتنظيمات الإرهابية القادمة والمدعومة من صنعاء.
لم يستشهد القائد “أبواليمامة” في ساحة المعركة، لأن كل المعارك التي خاض نزالاتها خرج منها متوجاً بأكاليل النصر، لقد أستشهد مغدوراً لأن القاتل الجبان لم يتمكن منه في ساحات وميادين النزال والمعارك، وأراد من اغتياله الغادر قتل إنجازاته وانتصاراته قبل تغييبه شخصياً.
لكن ما أراده القاتل الجبان بعملية الإغتيال الغادرة لن يتحقق له بإذن الله، لأن أمثال القادة العظماء كالشهيد القائد “أبو اليمامة” يكونون دوماً ذخيرة المستقبل، وقوة دفع كبيرة لكل رفاقهم وأفرادهم ومن عرفهم، والذين حتماً سيواصلون المشوار في الحفاظ على الأنجازات التي تحققت على الأرض الجنوبية.
لم يكن الشهيد القائد “أبواليمامة” قائداً عسكرياً فحسب، بل كان أيضاً مصلحاً إجتماعياً و ذو وجاهة قبلية، و على الرغم من إنشغالاته الكثيرة بالأمور العسكرية إلا أنه أعطى للجانب الإجتماعي في مديريات يافع خاصة والجنوب عامة حيزاً من الوقت والإهتمام.
لقد كان الشهيد القائد “أبواليمامة” يؤكد على ضرورة حماية النسيج الإجتماعي الجنوبي، وعدم تجاهل أي إشكاليات قد تنشأ وسرعة القضاء على دعوات الفتنة والنعرات القبلية والمناطقية التي ترافق هذه الإشكاليات، وتهدف إلى خلخلة تماسك النسيج الإجتماعي وتقويض التعايش المشترك.
فقد كان الشهيد القائد “أبو اليمامة” يدرك بأن العدو عندما لا يتمكن من النيل من شعب الجنوب وقضيته العادلة وخط دفاعهما الخارجي المتمثل بالقوات المسلحة الجنوبية، فإنه يبدأ بالحفر من الداخل مستهدفاً النسيج الإجتماعي الجنوبي لغرض تقويضه، حيث يمثّل التماسك الإجتماعي الجنوبي الأعمدة والدعامات لقواتنا الجنوبية ويمنحها الحاضنة والقوة والصلابة في مواجهة التحديات. حتى أنه أخبرني ذات مره أثناء إنهاء فتنة تلب بيافع بإننا: “نخوض معركة ضد مشروع خبيث يستهدف فكفكة نسيجنا الإجتماعي وضربنا من الداخل وإشغالنا بإحتراب داخلي، وإنه يجب إن ننتصر في هذه المعركة لكل القيم والمبادئ الدينية والوطنية والإنسانية والإجتماعية”.
إن رؤية الشهيد القائد “أبو اليمامة” إلى الفتن الداخلية بإنها الطريق الذي يسلكه العدو ويعمل على تغذيته لإيجاد الثقوب في نسيجنا الإجتماعي سواء على مستوى مديريات يافع أو محافظات ومناطق الجنوب ككل، و إن السكوت على ذلك وعدم التصرف السريع والحازم لحل تلك القضايا يسمح بوجود ثغرات ينفذ من خلالها نظام الإحتلال وأدواته والجماعات الإجرامية والإرهابية ليمارسوا عدوانهم على الجنوب، وليفرضوا اجندتهم السياسية، وتفريق صفوفنا، وتمزيق لحمتنا الجنوبية، وبعثرة طموحاتنا، وجعلنا جماعات متناحرة قبلياً ودينياً حتى يسهل إعادتنا إلى حضيرة صنعاء.
و بعد القضاء على فتنة تلب بيافع، كان للشهيد القائد “أبواليمامة” حضوراً مميزاً على المستوى الإجتماعي، تمكن من خلال هذا الحضور من إطفاء نار الكثير من الفتن، وبرعايته تم عقد لقاءات مصالحة بين قبائل كثيرة، لتطوي يافع صفحة مؤلمة وموجعة من قضايا الثأر والفتن دامت لسنوات.
تميّز الشهيد القائد “أبو اليمامة” بنظرة عميقة و واقعية للأحداث، وإني أتذكّر في بداية تأسيس قوات الحزام الأمني، عندما قررت قيادات المقاومة الجنوبية محاربة التنظيمات الإرهابية، وتطبيع الأوضاع في المؤسسات المدنية بالعاصمة عدن. حيث كنت في ذات يوم برفقة الشهيد “أبواليمامة”، وبينما كنا معاً نتفقد أوضاع بعض المواقع والنقاط في العاصمة عدن، أخبرته “إنه وعلى الرغم من أن المقاومة الجنوبية تشكّلت على نحو عفوي وتطوعي لصد المليشيات الغازية ومكافحة الإرهاب إلا أنها تستحق ان نطلق عليها وصف القوات الأسطورية”.
قطع حديثنا حينها صوت إحدى مقاتلات التحالف العربي، فقال لي الشهيد القائد “أبو اليمامة” وعينه تحدّق في السماء وهو يشير إلى الطائرة: “يا جلال. النصر والعون قادم للجنوب ولمقاومته الشريفة من هناك، وليس من أي قارة بعيدة عنا”.
لقد كان الشهيد القائد “أبواليمامة” يقصد بذلك الأشقاء في الخليج العربي بقيادة الشقيقة الكبرى السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
فالشهيد القائد “أبواليمامة” كان يؤمن حينها بإن المقاومة الجنوبية الناشئة التي كانت تقاتل بسلاحها الشخصي ليست مجرد قوة هامشية، وإن الواقع في الجنوب سيحولها لشريك حقيقي وجاد وفعّال مع قوات التحالف العربي، وذلك في محاربة المليشيات والتنظيمات الإرهابية كمليشيا “الحوثي” وتنظيمي “القاعدة” و”داعش” على حد سواء.
لقد كانت نظرة الشهيد القائد “أبواليمامة” لمستقبل الجنوب وللأحداث المتسارعة نظرة عميقة وثاقبة، وهو ما أثبتته الأحداث اللاحقة التي نعيشها اليوم، فالجنوب يمثل العمق الإستراتيجي الحقيقي للجزيرة العربية والخليج العربي، وهو ما يجعل من القوات المسلحة الجنوبية عاملاً مهماً لأمن دول الخليج العربي واستقرارها جميعاً.
في الختام، أقول لأخي ورفيق دربي الشهيد القائد “أبواليمامة”:
لقد وحّدت الجنوب بتضحياتك، وبحبر دمك الطاهر لقد كتبت لنا ربيع وعهد الجنوب الجديد، وكنت الولادة الجديدة لشعب الجنوب.
لن ننساك، فإسمك سيظل محفوراً في سجلات التاريخ النظيف النقي، فأنت الجبل الشامخ المكلل بالعزّ والمجد عندما وقفت راسخاً وثابتاً في مواجهة أعاصير الجهل والحقد والتخلف، وكنت أنت الشمس الساطعة التي أنارت الدرب للقضاء على الإرهاب والتجبّر والطغيان.
هنيئاً لك الشهادة أيها الرفيق القائد “أبو اليمامة” ولجميع الشهداء في قواتنا المسلحة الجنوبية، فنم قرير العين ولا تخف فإن رسالتك باقية، فهي أمانة في أعناقنا وأعناق كل قيادات وأفراد القوات المسلحة الجنوبية وأبناء الشعب الجنوبي. وأنّا على دربك لسائرون.